وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا رَأَى يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا غَمَّضَ عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ: لَا تَأْخُذُوا عَنِّي هَذَا فَإِنِّي لَمْ أَجِدْهُ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ تَقَدَّمَ وَلَكِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرَى مَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ.
وَكَنَى أَحْمَدُ نَصْرَانِيًّا وَاحْتَجَّ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ـ[عبدالله حسن]ــــــــ[05 - 09 - 04, 12:41 م]ـ
ألف الشيخ فيصل مولوي من لبنان هذا الكتاب عن القاء السلام على أهل الكتاب:
السلام على أهل الكتاب، من الموضوعات التي تلقى أهمية كبيرة في بلد كلبنان، وفي بلاد أخرى كثيرة لا يشكّل فيها المسلمون أكثرية عددية، رغم أن هذا الموضوع لا يقلّ في رأينا أهمية في البلاد ذات الأكثرية الإسلامية، لأنه أحد الأسباب التي يدخل منها العدو الخارجي من أجل تفتيت المجتمع من الداخل، عن طريق افتعال أنواع من العداوة تمزّق الشرائح الاجتماعية، وتكبّر الخلافات القائمة بينها.
ولقد تجاوز المسلمون في لبنان بواقعهم هذه المسألة منذ زمن بعيد، فكانت التحيّة المتبادلة بينهم وبين غير المسلمين سبباً في زيادة التآلف وشيوع روح التسامح بين جميع اللبنانيين، ولو أن بعضهم كان يستعمل ألفاظاً أخرى، غير التحية المعتمدة بين المسلمين (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته). إلاّ أنه مع نموّ ظاهرة الصحوة الإسلامية، ظهرت مجموعات من الشباب المسلم الملتزم، في نطاق الحركات الإسلامية المعروفة أو الجمعيّات الإسلامية المتناثرة هنا وهناك، تقف من هذا الموضوع أمام نصّ واحد هو الحديث الصحيح المشهور: (لا تبدأو اليهود والنصارى بالسلام ـ وإذا سلّموا عليكم فقولوا: وعليكم) وهو حديث كثرت رواياته الصحيحة ولكنها كلها وردت في مناسبات متقاربة كان يطغى فيها الحقد اليهودي - رغم وجود العهود معهم - فيقولون للمسلمين عند التحية: (السام عليكم) والسام هو الموت. هذا النص فهمه كثير من العلماء، من خلال الحرب التاريخية التي كان يعيشها المسلمون، فاعتبروه النص الحاكم الذي يدفع إلى تأويل النصوص الأخرى المعارضة أو تخصيصها، وأخذه بعض المسلمين اليوم بهذا الفهم الخاطئ.
ولذلك رأيت من الضروري، أن أتناول هذا الموضوع من زاوية علمية محضة، فأبدأ بمناقشة هذا الرأي، ثم أضع هذه القضية الجزئية في إطارها العام، ثم أتناول ما ورد فيها من نصوص عامة وخاصة وأحاول الجمع بينها لتشكّل لكل مسلم ثقافة شرعية متكاملة غير متناقضة. وصدق الله العظيم القائل عن كتابه الكريم: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً}
أولاً: أسباب منع المسلم من ابتداء أهل الكتاب بالسلام:
لقد انتشر في تراثنا الفقهي الإسلامي القول بعدم جواز ابتداء غير المسلم بالسلام، وذلك استناداً لحديث (لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام). ونظراً لغرابة هذا القول في ظل العلاقات الإنسانية الطبيعية بين المسلمين وغيرهم، لجأ بعض العلماء إلى تحليل أسباب ذلك فقالوا:
1. السلام على أهل الذمة مكروه لما فيه من تعظيمهم، ولا بأس أن يسلّم على الذمّي إن كانت له حاجة، لأن السلام عندئذ لأجل الحاجة لا لتعظيمه. (ابن عابدين في الحاشية 5/ 264 الطبعة المصرية).
2. السلام تحية، والكافر ليس من أهلها. (حاشية العدوي على الخرشي 3/ 110 طبعة بولاق).
3. الابتداء بالسلام نوع من الإكرام، وهو بسط له وإيناس وإظهار ودّ، والله تعالى يقول: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله .. } [سورة المجادلة]. (نهاية المحتاج 8/ 49 طبعة المكتبة الإسلامية).
4. لا يجوز فعل ما يستدعي مودة الكافر ومحبّته لأن المسلم مأمور بمعاداة الكافر. (فتح الباري 11/ 19). وإفشاء السلام يؤدّي إلى التحابب لقول رسول الله: (ألا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشو السلام بينكم) [رواه الطبراني عن أبي موسى الأشعري وعن ابن مسعود]. وفي الروايتين ضعف لكن تؤيّده رواية أخرى في كتاب التوبة، وحديث آخر عن ابن الزبير في نفس المعنى رواه البزار بإسناد جيد.
وجوابنا على ذلك:
¥