ورسوله ولو تخلّى المسلم عن كل هؤلاء.
ثالثاً: نصوص من القرآن الكريم:
1. {يا أيّها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتّى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها .. } [سورة النور، الآية 27]
{ .. فإذا دخلتم بيوتاً فسلّموا على أنفسكم، تحية من عند الله مباركة طيّبة، كذلك يبيّن الله لكم الآيات لعلّكم تعقلون} [سورة النور، الآية 61].
فكلمة (بيوت) هنا تشمل أي بيت ندخل إليه سواء كان بيت مسلم أو غير مسلم.
وكلمة (أنفسكم) استعملها القرآن بمعنى الناس جميعاً وليس فقط المسلمين. قال تعالى مخاطباً العرب المشركين: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم}.
فالآية نص عام في وجوب السلام عند دخول البيوت سواء على مسلمين أو غير مسلمين.
وقد ذكر الطبري في تفسير هذه الآية عن إبراهيم: إذا دخلت بيتاً فيه يهود فقل: السلام عليكم. وإن لم يكن فيه أحد فقولوا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
2. {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه، وقالوا: لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين} [سورة القصص، الآية 55].
فهذه الآية نص عام في كل مسلم يستمع من غير المسلمين إلى حديث لا يرضي الله، عليه أن يفارقهم ولا يبقى في هذا المجلس. قال بعض المفسّرين: السلام هنا للمتاركة لا للتحية. ونقول: إن المتاركة يمكن أن تكون مع الشتائم، ويمكن أن تكون على الأقل بدون هذه الكلمة الطيبة (السلام) ولكن الله تعالى شرع لنا عند مفارقة الكفّار أن نقول لهم: سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين.
وإذا كانت تحية المتاركة (السلام) فتحية الاستقبال كذلك من باب أولى، لأن الرسول (ص) يقول: (ليست الأولى بأحق من الأخيرة) [رواه أبو داود والترمذي وحسّنه النسائي].
3. {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا: سلاماً} [سورة الفرقان، الآية 63]
أورد القرطبي في تفسير هذه الآية قول بعض العلماء أنها منسوخة بآية السيف. ثم ذكر قول ابن العربي: (لم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلّموا على المشركين، ولا نهوا عن ذلك. بل أمروا بالصفح والهجر الجميل. وقد كان عليه الصلاة والسلام يقف على أنديتهم ويحيّيهم ويدانيهم ولا يداهنهم). ورجح القرطبي، رأي ابن العربي فقال: قلت: هذا القول ـ أي قول ابن العربي ـ أشبه بدلائل السنّة. وقد بيّنا في سورة مريم اختلاف العلماء في جواز التسليم على الكفّار. فلا حاجة إلى دعوى النسخ والله أعلم.
4. {وقيله: يا رب، إنّ هؤلاء قوم لا يؤمنون. فاصفح عنهم وقل: سلام، فسوف يعلمون .. } [سورة الزخرف، الآية 89].
يقول الشنقيطي في تفسير هذه الآية في أضواء البيان أنها: "تضمّنت ثلاثة أمور منها: أن يقول للكفار: سلام. وقد بيّن الله تعالى أن السلام للكفّار هو شأن عباده الطيّبين. ومعلوم أنه سيّدهم، قال تعالى: {… وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا: سلاماً} [سورة الفرقان، الآية 63]. {… سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين …} [سورة القصص، الآية 55]. وقال إبراهيم لأبيه: { .. سلام عليك}.
ومعنى السلام في الآيات المذكورة، إخبارهم بسلامة الكفّار من أذاهم. ومن مجازاتهم لهم بالسوء. أي سلمتم منّا لا نسافهكم، ولا نعاملكم بمثل ما تعاملوننا.
وكثير من أهل العلم يقولون: إن قوله تعالى: {فاصفح عنهم …} وما في معناه منسوخ بآيات السيف. وجماعات من المحققين يقولون: هو ليس بمنسوخ.
والقتال في المحل الذي يجب فيه القتال، والصفح عن الجهلة، والإعراض عنهم، وصف كريم، وأدب سماوي لا يتعارض مع ذلك".
5. {قال: سلام عليك. سأستغفر لك ربّي، إنّه كان بي حفيّاً} [سورة مريم، الآية 47].
ذكر القرطبي في تفسير هذه الآية: (الجمهور على أن المراد بسلامه المسالمة التي هي المتاركة، لا التحية. وعلى هذا لا يبدأ الكافر بالسلام. وقال بعضهم تسليمه: هو تحية مفارق. وأجاز تحيّة الكافر، وأن يبدأ بها. وقيل لابن عيينة: هل يجوز السلام على الكافر؟ قال نعم، قال الله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم. إن الله يحبّ المقسطين} [سورة الممتحنة، الآية 7]. وقال تعالى: {لقد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم .. } {وقال إبراهيم لأبيه: سلام عليك}.
¥