تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فكلمة: مذهب أهل المدينة، وعلماء المدينة، والمدنيون، مما يكثر ذكره في كتبهم الفقهية القديمة خاصة، وفي كتب الطبقات والتراجم، يذكرون ذلك لأسباب متعددة ... وهم يعنون بهذه الكلمات معناها الواسع المفهوم منها: مالكا وإخوانه من أئمة المدينة المعاصرين له، وكذا مشايخ الإمام ومن قبلهم، وتلاميذ الإمام ممن تبع مذهبه أو خالفه، فإذا أرادوا حكاية أقاويل مالك وحده بينوا ذلك.

والإمام محمد بن الحسن – رحمه الله – يستعمل كلمة (أهل المدينة) وهو يعني ما يقول، ويميز بطريقة واضحة في كتابه بين الإمام مالك وعلماء أهل المدينة ممن تقدمه أو عاصره، فإذا لم يميز فهو يدخل مالكا ضمن أهل المدينة بناء على اتفاق قولهم ... وأنا لا أريد أن أسهب في بيان ذلك ولكن أكتفي بذكر هذه الأمثلة، فنجد أنه في أول مسألة في كتابه 1/ 1 [اختلاف أهل الكوفة وأهل المدينة في الصلوات والمواقيت] يقول بعد أن حكى قول إمام أهل الكوفة في زمانه أبي حنيفة – رحمه الله -: (وقال أهل المدينة ومالك).

وفي 1/ 23 يذكر اختلاف أهل المدينة في المسح على الخفين للمقيم، ويذكر رأي مالك في هذا، ورأي غيره ممن يخالفه من أهل المدينة ويحدده باسمه.

وفي نفس المسألة عند الكلام على كيفية المسح 1/ 37 يقول: (قال أهل المدينة ... قيل لهم قد أخبرنا فقيهكم مالك بن أنس عن هشام بن عروة ... ). وهو يكرر كلمة: فقيهكم ... في ص 289. و فقيههم ص 343 ....

وفي 4/ 232: (وقد سألنا عبد الرحمن بن أبي الزناد وكان أعلمهم بالفرائض ... ).

وفي 4/ 306 - 308: ( ... وقال أهل المدينة مثل قول أبي حنيفة، منهم مالك بن أنس ... وقال بعضهم ... ) ويكرر مثل هذا في ص 310 - 312.

إلى غير ذلك من أقواله التي يفرق فيها بجلاء بين أهل المدينة ومالك.

وإنما حدث اللبس لمن ظن بمحمد بن الحسن ذلك، بسبب حكايته لبعض أقوال أهل المدينة عن طريق الإمام مالك مما ذكره عنهم في الموطأ.

ومحمد بن الحسن – رحمه الله – وغيره ممن أََفْهَمَ قولُه ما أشار إليه المعترض؛ إنما يعنون بتمثيل الإمام مالك لأهل المدينة: ما ذكره الحافظ ابن عساكر في كتابه [تبيين كذب المفتري ... ] ص 118: ( ... ألا ترى أن مذهب أهل المدينة ينسب إلى مالك بن أنس – رضي الله عنه – ومن كان على مذهب أهل المدينة يقال له: مالكي، ومالك – رضي الله عنه – إنما جرى على سنن من كان قبله، وكان كثير الإتباع لهم، إلا أنه زاد المذهب بيانا وبسطا وحجة وشرحا، وألف كتابه الموطأ، وما أخذ عنه من الأسمعة والفتاوى، فنسب المذهب إليه لكثرة بسطه له وكلامه فيه).

وما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في رسالته المشهورة في بيان صحة أصول أهل المدينة، حيث قال كما في مجموع الفتاوى 20/ 320: (إذا تبين هذا؛ فلا ريب عند أحد أن مالكا - رضي الله عنه - أقوم الناس بمذهب أهل المدينة رواية ورأيا، فإنه لم يكن في عصره ولا بعده أقوم بذلك منه، كان له من المكانة عند أهل الإسلام - الخاص منهم والعام - ما لا يخفى على من له بالعلم أدنى إلمام).

وقد ساعد على انتشار قول الإمام مالك دون غيره من أهل المدينة أسباب عدة، منها: طول حياة الإمام مالك – رحمه الله – بعد أغلب معاصريه مدة طويلة.

ومنها: تدوينه لبعض أرائه في كتابه الموطأ، وتدوين جماعة من تلاميذه لأقواله وفتاويه في كثير من تقييدا تهم عنه، وأسمعتهم كما سيأتي ذكرها قريبا إن شاء الله.

ثم قيام تلاميذه بحفظ ما أثر عنه من مسائل ... ونشرها وتمحيصها والاحتجاج لها وبيان مآخذها ....

فإذا اتضح ما تقدم؛ فقول المعترض: (ومن هنا فقضية إجماع أهل المدينة التي يتمسك بها المالكية، غير مسلمة لهم ... ).

كلام لا معنى له، إلا إذا أثبت بأدلة قوية متعاضدة أن المالكية يقولون: إن قول إمامهم يعني إجماع أهل المدينة، وهو لا يجد لهذا سبيلا. بل إنهم لا يعتقدون حتى ما يحكيه الإمام من عمل أهل المدينة إجماعا، فربما كان قولَ بعضهم، وربما كان اختياره هو من قول بعضهم أو عملهم، فليس كل عمل يحكيه الإمام إجماعا، وإنما إجماع أهل المدينة عندهم ما ذكره الإمام بصيغته الصريحة في إفادة الإجماع ليس غير. مثل قوله: الأمر المجتمع عليه عندنا ... وما شابه ذلك.

ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[20 - 02 - 06, 02:01 ص]ـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير