=======================
[المستخرجة أو العتبية]
قال الفقيه أبو الوليد ابن رشد – رحمه الله – في البيان والتحصيل 1/ 28 - 29: ( ... على أنه كتاب قد عوّل عليه الشيوخ المتقدمون من القرويين والأندلسيين، واعتقدوا أن من لم يحفظه، ولا تفقه فيه كحفظه للمدونة وتفقهه فيها؛ بعد معرفة الأصول، وحفظه لسنن الرسول – صلى الله عليه وسلم – فليس من الراسخين في العلم، ولا من المعدودين فيمن يشار إليه من أهل الفقه).
مؤلفها:
أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن أبي عتبة، الأموي ولاء المشهور بالعُتْبِي، < تـ 255هـ >.
أخذ العلم عن فقهاء بلده بالأندلس مثل يحيي الليثي وسعيد بن حسان ... ثم رحل إلى المشرق فلقي سحنونا وأصبغ ... وعاد إلى الأندلس بعلم كثير، فاشتهر أمره، وعلا قدره، وقصده الناس للسماع والأخذ عنه. المدارك 4/ 253، سير النبلاء 12/ 335.
مكانته العلمية، وثناء أهل العلم عليه:
شهد له علماء الأندلس بالفقه والحفظ لمسائل المذهب، قال ابن الفرضي في تاريخ علماء الأندلس: (كان حافظا للمسائل، جامعا لها، عالما بالنوازل).
وقال محمد بن عمر بن لبابة: «لم يكن ها هنا أحد يتكلم مع العتبي في الفقه، ولا كان بعده أحد يفهم فهمه إلا من تعلم عنده» أخبار الفقهاء .. للخُشَنِي 179.
وقال الصدفي: (كان من أهل الخير والجهاد، والمذاهب الحسنة، وكان لا يزول بعد صلاة الصبح من مصلاه إلى طلوع الشمس، ويصلي الضحى ... ) المدارك 4/ 253.
كتاب المستخرجة:
وإنما سميت بذلك لأنه استخرجها من الأسمعة التي رويت عن الإمام مالك بواسطة تلاميذه، وقد ورد اسمها عند ابن حارث [الديوان المستخرج من الأسمعة] أصول الفتيا لابن حارث الخشني 202.
ويبدو أن تأليف العتبي للمستخرجة كان الغرض منه حفظ جملة من الأسمعة عن الإمام مالك وتلاميذه وقع إغفالها من قبل أصحاب المصنفات التي وجدها العتبي أمامه مثل [المدونة] وكتاب [الهدية] لعيسى بن دينار، وواضحة ابن حبيب، وكان قد بدأ مع هؤلاء ... تطبيق المعايير الروائية التي ينبغي اعتمادها، والتعويل عليها في حفظ أقوال الإمام مالك وأصحابه، فلذلك وقع منهم إهمال لبعض المرويات التي لا تدخل تحت المعايير والضوابط العلمية التي اعتمدوها، أو ربما فاتهم شئ من الأسمعة لم يمحص بسبب كثرتها وتفرقها في أيدي التلاميذ، فجاء العتبي وجمع بعض ذلك في ديوانه.
نلاحظ ما ذكرتُه في طريقة العتبي – رحمه الله – في تأليفه للمستخرجة، حيث كان يؤتى بالمسألة الغريبة فإذا أعجبته قال: أدخلوها في المستخرجة. المدارك 4/ 253.
وقال ابن لبابة: (وهو الذي جمع المستخرجة، وكثّر فيها من الروايات المطروحة، والمسائل الشاذة). المدارك 4/ 253.
وهذا العمل لا يناسب ما وصف به الرجل من فقه وحفظ للمسائل، وما ظهر من لجوء الطلبة إليه للتعلم، مما يدل على شهرته بالعلم وبعد صيته، إلا إذا كان قصده ما ذُكر، ويبدو أنه فعل هذا لثقته من أن هناك من أهل العلم من سيأتي ويمحص هذه المرويات، فيأخذ منها ما صفا، ويترك ما كدر، وكذلك كان، كما سيأتي من جواب بعض أهل العلم عندما اعترض عليه في تدريس المستخرجة، وقد علم ما فيها من شواذ المسائل وغريبها، و كما يعلم من عمل ابن رشد في بيانه.
وقد اتبع العتبي – رحمه الله – طريقة غريبة في جمعه لتصنيفه حيّرت العلماء، يلخص لنا الأستاذ عمر الجيدي – رحمه الله – طريقة ذلك نقلا من مخطوط أجوبة ابن ورد، فيقول: (طريقة تأليف هذا الكتاب عجيبة، ذلك أن العتبي لما جمع الأسمعة وضع كل سماع في دفتر خاص، ثم أعطى لكل دفتر تسمية يعرف بها من خلال المسألة التي سطرها أول الدفتر، وفي كل دفتر من هذه الدفاتر مسائل مختلطة من أبواب الفقه، فلما رتبها على الأبواب الفقهية، جمع في كل كتاب من كتب الفقه ما في هذه الدفاتر من المسائل المتعلقة بذلك الكتاب، ومن ثم جاءت تراجم الكتاب غريبة من حيث التسمية، خفيت على كثير من أهل العلم، وأوقعتهم في إشكالات دفعتهم إلى التساؤل عن سر مناسبة الرسوم للمحتويات ... ) مباحث في المذهب المالكي بالمغرب71.
ويوضح ذلك أكثر الشيخ أبو عبد الله الحطاب في مواهب الجليل 1/ 41 - 42 نقلا عن مشايخه فيقول:
¥