(فائدة: في تفسير اصطلاح العتبي وابن رشد في البيان، وقوله في رسم القبلة مثلا، ورسم حبل الحبلة .. ، وذلك أن العتبي – رحمه الله – لما جمع الأسمعة، سماع ابن القاسم عن مالك، وسماع أشهب وابن نافع عن مالك ..... وغيرهم، جمع كل سماع في دفاتر وأجزاء على حدة، ثم جعل لكل دفتر ترجمة يعرف بها، وهي أول ذلك الدفتر، فدفتر: أوله الكلام على القبلة، وآخر أوله حبل الحبلة ... ونحو ذلك، فيجعل المسئلة التي في أوله لقبا له، وفي كل دفتر من هذه الدفاتر مسائل مختلطة من أبواب الفقه، فلما رتب العتبية على أبواب الفقه جمع في كل كتاب من كتب الفقه ما في هذه الدفاتر من المسائل المتعلقة بذلك الكتاب، فلما تكلم على كتاب الطهارة مثلا جمع ما عنده من مسائل الطهارة كلها، ويبدأ من ذلك بما كان في سماع ابن القاسم، ثم بما كان في سماع أشهب .... ، فإذا لم يجد في سماع أحد منهم مسئلة تتعلق بذلك الكتاب أسقط ذلك السماع، وقد تقدم أن كل سماع من هذه الأسمعة في أجزاء و دفاتر، فإذا نقل مسئلة من دفتر عين ذلك الدفتر الذي نقلها منه ليعلم من أي دفتر نقلها إذا أراد مراجعتها وإطلاعه عليها في محلها، فيقصد ذلك الدفتر المحال عليه، ويعلمه بترجمته.
نقلتُه من خط سيدي الشيخ عمر البِساطِي، قال نقلته .... ناقلا عن شيخه عيسى الغِبْرِيني – رحمه الله -).
فتجد في عناوين المستخرجة – مثلا -: (ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء) فتظن أن الكلام سيكون عن مضمون العنوان؛ فإذا بك تجد أول مسألة فيه: < وسئل مالك عن الرجل يجعل الخاتم في يمينه، أو يجعل فيه الخيط لحاجة يريدها، قال: لا أرى بذلك بأسا > فالبحث في هذا المؤلف من أصعب الأمور، وقد ذللت الفهارس الملحقة بالبيان والتحصيل الأمر شيئا مّا.
هذا وقد ضمت المستخرجة سماعات كل من: ابن القاسم وأشهب وابن نافع، وأضاف إليهم سماع عيسى بن دينار وغيره عن ابن القاسم، وزُونان، ويحيي الليثي، و سماع أصبغ من ابن القاسم، وسماع أبي زيد عبد الرحمن بن أبي الغمر، و سماع موسى بن معاوية الصُمادحي (ت225) من ابن القاسم، و سماع محمد بن خالد بن مَرْتَنِيل (تـ 224) من ابن القاسم، و سماع أشهب وابن نافع عن مالك رواية سحنون، و سماع عبد الودود بن سليمان من أصبغ، كما جاء في المدارك 4/ 262، و سماع هارون بن سالم أبو عمر القرطبي (ت238) المدارك4/ 142، و سماع حسين بن عاصم (ت208)، وغيرها من السماعات، كما بينها أبو الوليد ابن رشد – رحمه الله – في البيان.
ونتيجة لقيام بعض تلاميذ الإمام أبي عبد الله العتبي بمساعدته على إتمام هذا العمل، فقد ظن بعضهم أنه لم يؤلف الكتاب، و نسبت المستخرجة إلى أحد الفقهاء المعاصرين للعتبي، وهو أحمد بن مروان المعروف بالرُصافي < تـ 286 >.
قال ابن الفرضي في تاريخ علماء الأندلس 1/ 64: ( ... وقيل: إنه هو الذي ألف المستخرجة للعتبي).
بينما يقول ابن أبي ديلم: (هو الذي أعان العتبي على تأليف المستخرجة) المدارك 4/ 453.
بينما يقول ابن فرحون في الديباج 1/ 151: (هو الذي روى المستخرجة للعتبي). ولعل القولين الأخيرين أقرب للواقع من القول الأول، لشهرة العتبي بتأليف المستخرجة، وروايتها عنه بالسند المتصل.
قال العلامة ابن أبي زيد في مقدمة النوادر والزيادات 1/ 12: (وأنا أذكر لك رواياتي في هذه الدواوين؛ فأما < المستخرجة من السماعات > فقد حدثني بها أبو بكر بن محمد، عن يحيي بن عبد العزيز عن العتبي محمد بن أحمد).
وقد ظلت العتبية مختلطة غير تامة التبويب، حتى بوبها أحد صغار تلامذة العتبي هو عبد الله بن محمد الأعرج الشَذوني (ت309) الذي كان مرجعا فيها، بحيث «كان أهل المغرب يقصدونه فيها» فقام – رحمه الله - و «بوب مستخرجة العتبي على تبويب المدونة» تاريخ العلماء بالأندلس 1/ 261. كما بوبها للحكم المستنصر محمد بن عبد الله بن سيد المُرْسِي (ت363) تاريخ العلماء بالأندلس 2/ 76.
ثم تتابع اهتمام علماء المالكية بالمستخرجة؛ تدريسا وتهذيبا وتبويبا، وتوجيها لمسائلها وشرحا وتعليلا ...
فألف: يحيي بن عمر الكندي < تـ 289هـ > اختصار المستخرجة، أسماه [المنتخَبَة].
واختصرها أيضا: عبد الله بن فتوح البنتي < تـ 462 >.
وهذبها: إبراهيم بن شِنظير، وأبو محمد بن أبي زيد القيرواني.
وبوبها: أبو محمد عبد الله بن محمد ابن أبي الوليد الأعرج.
ثم جاء العلامة الفقيه أبو الوليد ابن رشد شارحا للمستخرجة، ومعللا وموجها لمسائلها، ومدققا فيما صح وثبت، ومنبها على ما كان من خطأ، اضافة لحفظه لنصها كاملا، في ديوانه الكبير الموسوم بالبيان والتحصيل.
موقف العلماء من المستخرجة:
تقدم لنا ذكر الجانب المضئ من المستخرجة، واهتمام العلماء بحفظ مسائلها ... وقيامهم عليها، ومناظرتهم فيها ... ومع هذا لم يفت أهل العلم – من باب الحرص على دينهم، والنصيحة للمسلمين – أن يبينوا مواطن الضعف في المستخرجة، وأن يُحذّروا مَن بعدهم من بعض المسائل الغريبة والشاذة التي حوتها، ويحفظ لنا ذلك القاضي عياض في مداركه 4/ 254 فيقول: (وقال ابن وضاح: وفي المستخرجة خطأ كثير ... وقال أحمد بن خالد: قلت لابن لبابة: أنت تقرأ المستخرجة للناس، وأنت تعلم من باطنها ما تعلم؟
فقال: إنما أقرؤها لمن أعرف أنه يعرف خطأها من صوابها.
وكان أحمد ينكر على ابن لبابة قراءتها للناس شديدا).
وجمع ابن عات هارون بن أحمد بن جعفر النَّفزِي أبو محمد (ت582) تنبيهات على المستخرجة. كما في صلة الصلة 4/ 231.
¥