ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[19 - 03 - 06, 02:14 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي الفاضل أبو يوسف.
وأرجو المعذرة إن وجدتَ تقصيرا أو خللا، فالذهن كليل، والخاطر عليل، والمشاغل أحاطت من كل جانب، والنفس توزعت أشتاتا ... ولم يسبق لي أن أعددت شيئا في هذا الباب ... وإنما أكتب ما أكتب .. عفو الخاطر .. وبعد مراجعة سريعة لبعض المصادر .. وبين يدي مجموعة أخرى لم أنظر فيها لضيق الوقت .. والله المستعان.
=========================
ومن اشهرها مختصر البراذعي المسمي تهذيب المدونة وهو مشهور جدا وهو اختصار على طريقة ابن ابي زيد القيرواني الذي اختصر المدونة من قبل، وقيل انه اختصار لمختصر ابن ابي زيد ذكره الحجوي وغيره ولم اتبين سبب قولهم؟ لان البراذعي نص على انه يسلك سبيل ابن ابي زيد وطريقته ولم ينص فيما أذكر على انه أختصره من مختصر القيرواني، و مختصر ابن ابي زيد من أشهر المختصرات لشهرة مصنفه حتى لقب (بمالك الصغير). وكان التهذيب غير مطبوع حتى طبع اخيرا بتحقيق محمد الامين ولد الشيخ والجز ء الاول منه فقط!
من بين عشرات المختصرات للمدونة التي ضاعت فيما ضاع من أعمال المالكيين الماضين بقي اليوم بين أيدينا كاملا [التهذيب في اختصار المدونة] أو [تهذيب المدونة والمختلطة] لأبي القاسم خلف بن أبي القاسم الأزدي القيرواني. لم يعرف تحديدا وقت ميلاده، ولا تاريخ وفاته .. ولكن المتحصل من مجموع ترجمته أن يكون ميلاده في منتصف القرن الرابع، ووفاته – رحمه الله – بعد الأربعمائة، ووجد في بعض نسخ التهذيب الخطية أنه توفي 438.
اشتهر - رحمه الله – بالبَرَادعي بالدال المهملة عند جماعة الفقهاء، وكذا هو في الطبعات القديمة من بعض كتب تراجم المالكية، ورجحه الشيخ محمد الشاذلي النيفر، وهو بالذال المعجمة في مطبوعاتها الجديدة المحققة، وفي بعض المصادر الأخرى، ويرجع سبب الاختلاف لاختلاف كتب اللغة في ضبط لفظة " بردعة" التي نسب إليها – رحمه الله – هل هي بالمعجمة أم بالمهملة؟
وأبو سعيد البرادعي – رحمه الله – من كبار فقهاء القيروان في زمانه، تفقه بابن أبي زيد، و أبي الحسن القابسي، وغيرهما .. وكانت تكون له رئاسة في الفقه في زمانه لولا ابتلاؤه بشيئين: علاقته المريبة بالعُبيديين الشيعة، أهل الضلال والسوء .. وتتابع اعتراضاته على شيخه ابن أبي زيد، وازدرائه ببعض كلامه ... مما أسخط عليه أهل بلده ... فاضطر للخروج منها إلى صقلية ... وتحامى أهل الفقه كتبه عدا التهذيب لشهرة مسائله، وحسن اختصاره للمدونة.
يعد التهذيب من أهم الأعمال العلمية حول المدونة في القرن الرابع الهجري، وقد استأثر – دون مؤلفات البرادعي قاطبة – باهتمام علماء المالكية في الغرب الإسلامي، حتى أصبح اسم المدونة ينصرف إليه عند الإطلاق، مما اضطرهم لتسمية المدونة بـ[الأم]، أو [المدونة الكبرى] تمييزا لها عن تهذيب البرادعي الذي بدأ يحمل اسم المدونة كما أسلفت القول، ويغلب على ظني أنه المراد بما نقله جماعة من المتأخرين من حفظ طائفة عظيمة من المالكيين للمدونة ... والله أعلم.
قال في المدارك 7/ 257: ( .. وقد ظهرت بركة هذا الكتاب على طلبة الفقه، وتيمنوا بدرسه وحفظه، وعليه معول أكثرهم بالمغرب والأندلس .. ).
أضاف ابن ناحي – رحمه الله – في معالم الإيمان 3/ 147: ( ... يعني في زمانه، أما في زماننا فما المعول إلا عليه شرقا وغربا).
وقال الأستاذ عمر الجيدي – رحمه الله – في كتابه [مباحث في الفقه المالكي] صـ 78: ( ... وعليه يطلق الكتاب اصطلاحا عند المالكية للتفريق بينه وبين الأصل (المدونة) بعدما أصبح يطلق عليه المدونة تجوزا، وقد كان من الكتب المعتمدة في الفتوى عند المالكية، بل كان هو الكتاب المقرر في الدراسات الفقهية على مدى أربعة قرون من التاريخ قبل أن يزحزحه مختصر ابن الحاجب، وفيه نظم النابغة الشنقيطي:
واعتمدوا التهذيب للبرادعي - - وبالمدونة في البرى دُعي).
ألف البرادعي كتابه لنفس السبب الذي من أجله قام العديد من العلماء بأعمالهم العلمية حول المدونة؛ ألا وهو تقريبها وتذليلها للدارسين والمفتين حتى تعظم الاستفادة بها ... فمِن موفق .. ومن مقصر دون غرضه .. قال البرادعي في صدر تهذيبه مبينا مجال عمله، ومظهرا لسببه 1/ 167: ( .. هذا كتاب قصدت فيه إلى تهذيب مسائل المدونة والمختلطة خاصة دون غيرها، إذ هي أشرف ما ألف في الفقه من الدواوين ... ليكون ذلك أدعى لنشاط الدارس، وأسرع لفهمه، وعدة لتذكره).
ثم يذكر في مقدمته منهج عمله وطريقته فيقول: ( .. واعتمدت فيه على الإيجاز والاختصار، دون البسط والانتشار ... وجعلت مسائلها على الولاء حسب ما هي في الأمهات إلا شيئا يسيرا ربما قدمته أو أخرته، واستقصيت مسائل كل كتاب فيه خلا ما تكرر من مسائله، أو ذكر منها في غيره، فإني تركته مع الرسوم، وكثير من الآثار، كراهية التطويل.
وصححت ذلك على روايتي عن أبي بكر بن أبي عقبة عن جبلة بن حمود عن سحنون، وكان الفراغ من تأليفه سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة، وإلى الله أرغب في لزوم طاعته، وشكر نعمته، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله وسلم).
هذا منهج البرادعي في كتابه التهذيب كما ذكره بنفسه، ثم إنه قد أهمل – رحمه الله – ذكر عناوين الأبواب، فقام عبد الله بن سعيد بن العاص بتبويب الكتاب، وأضاف له بابا في طلب العلم .. كما وجد في صدر نسخة كاملة للكتاب بخزانة القرويين رقم 320.
¥