والذي دفع الفقهاء الشافعية وغيرهم إلى القول بالعلة القاصرة، أنهم لم يجدوا في زمانهم فرعا تتوفر فيه صفة الذهب .. ليقاس عليه، وعندما ظهرت (الفلوس) عملة مساعدة، لم يلحقها الكثير منهم بالذهب لعدم شمول علة غلبة الثمنية لها.
وقد رأى الكثير من الباحثين في جعل العلة قاصرة دقة محمودة لفقهائنا تدل على فهم عميق لحقيقة النقود.
ولمّا ظهرت الفلوس عملة مساعدة في بعض بلاد الإسلام، كانت تستعمل لشراء السلع الرخيصة، ثم انتشرت حتى بدا أنها صارت نقدا رئيسا فيها، ولكن سرعان ما أثبت الواقع أنها لا تصلح لذلك، فحدث ارتفاع للأسعار غير مألوف، ونزلت بالناس المجاعة، ولم تهدأ الأمور، حتى تخلى الناس عن الفلوس ثمنا رئيسا.
والدول وإن تخلت عن الذهب .. نقدا رئيسا اليوم، لكنها لم تتخل عنه احتياطيا في البنوك، ولها قيود كثيرة في الرقابة عليه ومنع خروجه من حدودها، وغرضها في ذلك معروف، فقد فرض من لا خلاق لهم نظام العملات الورقية على الناس، واستأثروا بادخار القناطير المقنطرة من الذهب .. في خزائنهم لتتم السيطرة الكاملة على الاقتصاد العالمي، وألقوا إلى الناس أوراقا لا قيمة لها حقيقية، يكفي لإلغائها جرة قلم، أو كلمة تخرج من بين شفتي أحد شياطينهم، والكلام في هذا النظام النقدي الظالم ذو شجون، له تعلق شريف بأمر الخلا والسيا .. لا يُسمح بالحديث عنه في الشوارع لأنه يقض مضاجع القوم، وهم يريدون لنا النوم، ولسان حالهم يقول وهم يطبطبون على ظهورنا وصدورنا:
ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النوم
فقد كفيناكم التعب والنصب، وهذه الوريقات التي لا نفع فيها حقيقة، تقضي مصالحكم القريبة، وتشبع غرائزكم الزائلة، حتى إذا استيقظ القوم الذين ألفوا الكرى، واستعذبوا الأحلام .. وجدوا ما به صلاحهم في خزائن وول .. وليس بين أيديهم شيء منه يبلون به ريقهم، إلا أن يكونوا عب .. ولكن الله العليم الحكيم، يذخروا لهذه الكنوز – ولا شك – رجالا يحبهم ويحبونه، ستكون بين أيديهم غنيمة باردة بإذن الله، يجعلونها في ما يصلح العباد والبلاد، ويقيمون بها كفة العدل بدل هذه البورصات الشيطانية التي أفسدت الحرث والنسل، وجعلت ما أراده الله ميزانا عادلا لحفظ أرزاق العباد ومصالحهم، مسلمهم وكافرهم، جعلته محلا للتلاعب والتجارة الخاسرة عليهم – إن شاء الله – دنيا وأخرى.
آه – أخي – لقد نسيت البلاغة والفصاحة، ومراعاة مقتضى المقام وذهبت بك بعيدا، فأعود الآن وأذكر لك من كلامهم ما يدل على ما أشرت إليه سابقا.
قال الباجي رادا على السادة الحنفية في نقدهم تعليل الذهب .. بالعلة القاصرة: (احتجوا بأن الواقفة لا تفيد شيئا، لآن حكمها ثابت بالنص، وما لا فائدة فيه فلا معنى لإثباته.
والجواب: أن هذا يبطل بالعلة الواقفة المنصوص عليها، فإن هذا حكمها، ومع ذلك فإنه لا خلاف في صحتها.
وجواب آخر: وهو أننا لا نسلم أنها لا تفيد، فإنها تفيد معرفة علة الأصل، وأنها غير متعدية إلى فرغ فيمنع من قياس غيره عليه. وربما حدث فرع فيوجد فيه المعنى فيلحق به، وهذه فوائد صحيحة) إحكام الفصول 633 - 634.
وتجد مثل هذا أيضا في لمع الشيرازي ص 843، وعند الماوردي في الحاوي 5/ 92، وغيرهم.
وراجع المعاملات المالية المعاصرة للسالوس –حفظه الله- 188.
يتبع – إن شاء الله – مع ضرورة مشاركة الأحباب.
أخي العزيز كلام ****هو عينه - تقريبا - كلام شيخ الإسلام، وإنما الإعتراض على كون الذهب لا يساوي شيئا حتى بعد نزع صفة الثمنية منه، وبعد معرفة كلامه جيدا الآن فلا اعتراض، ويبقى كلام ضرب لمجرد التمثيل، لأن الواقع يشهد أن الذهب هو العيار الوحيد الآن لتحديد القيم، وهو محل الإدخار والإكتناز، و ... وإن لم يظهر ذلك لنا عيانا يكفي أن من يتحكم في الاقتصاد يسير على هذا، ونشاهد خزائنهم كيف تمتلي يوميا بهذا المعدن النفيس. فإذا لم يكن له في نفسه قيمة وسر رباني لم يفعلون هذا، وهم القوم اليوم، لا يشقى بهم جليسهم في الدنيا. فقد فطنوا لما غفلنا عنه، وإنما العاقبة للمتقين.
ـ[الحارثي]ــــــــ[11 - 12 - 04, 02:27 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله وبعد:
أود أن أنبه هنا إلى أن الذهب إنما هو سلعة من السلع وهو من الشهوات التي زين للناس حبها كما اخبر الله تعالى.
¥