تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقد سرني كثيرا ما يطرحه هذا الملتقى المبارك من قضايا ومسائل، ومنذ مدة وأنا أريد المشاركة فيه، ولقد كنت أتابع مسألة رمي الجمار، نظرا لأهميتها بالنسبة لي، ولأنني كتبت فيها بحثا مفصلا منذ عامين تقريبا ووفق الله لطباعته، لكنه لم يكتب له الانتشار لحكمة يعلمه الله تعالى، فالله نسأل أن يصلح فساد قلوبنا، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وقد حدثتني نفسي بأن أشارك معكم في هذا الموق المبارك بهذا البحث (تحقيق المقال في رمي الجمار قبل الزوال) سائلا الله تعالى لي ولكم التوفيق والسداد والرشاد.

تحقيق المقال في رمي الجمار قبل الزوال

أعده / علي ونيس

مقدمة

بقلم أ. د. يوسف القرضاوي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فيسرني أن أقدم لهذه الدراسة الجيدة التي قام بها ابننا العالم الباحث النابه الشيخ علي ونيس نوّر الله بصيرته وسدد خطاه، حول موضوع يحتاج إليه المسلمون أشد الحاجة في هذا العصر، وهو يتعلق بفريضة الحج الركن الخامس من أركان الإسلام وشعائره التعبدية الكبرى. وهو: موضوع (الرمي قبل الزوال) في أول وثاني أيام التشريق، وهو أمر يشدد فيه كثير من العلماء، ويوجبون على الناس أن يرموا بعد الزوال، وإن بلغ الزحام بالناس ما بلغ، حتى إن الناس يقتل بعضهم بعضا من شدة التدافع في مرمى الجمار.

ومن ذهب إلى الحج سمع مكبرات الصوت تعلن على الناس: أن من رمى قبل الزوال، فرميه باطل! ولا يكتفون بهذا، بل يضيفون إليه: وحجه باطل!!

هذا مع أن المسألة ليست من مسائل الإجماع بيقين، والخلاف فيها واقع منذ عهد الصحابة والتابعين والأئمة المعتبرين.

فتصدى أخونا الباحث علي ونيس لهذه المسألة ليحقق القول فيها، ويمحص ماورد فيها من أقوال، ومدى صحة نسبتها إلى أصحابها، ويوازن بين أدلتها بحياد وموضوعية إلى حد كبير.

وقد أعجبني من الباحث الشاب: ثقته بنفسه، وشجاعته في مناقشة الأقوال، وتضعيف ما يرى أنه ضعيف، وترجيح ما يرى أنه الراجح، وإن خالف المشهور أحيانا، وهو يتحدث بمنطق علمي وفقهي رصين، وبعد اطلاع واسع على مصادر شتى، ومنها مصادر التوثيق والتضعيف للأسانيد. وهذا كله يبشر بعقلية فقهية واعدة باقتحام ميدان الاجتهاد، فإن الاجتهاد الحق يبدأ بالاجتهاد الترجيحي الانتقائي، ثم ينتهي بالاجتهاد الإبداعي الإنشائي.

وكل عالم يملك المؤهلات العلمية اللازمة من العلم بالعربية، والعلم بالكتاب والسنة، والعلم بمقاصد الشريعة وأصول الفقه، وممارسة الفقه حتى تتكوّن له الملكة الفقهية، مع معرفة بفقه الواقع والحياة: قادر بتوفيق الله تعالى على أن يخوض مبدأ الموازنة والترجيح.

لقد أفادنا بحث الشيخ على ونيس إضافة أسماء جديدة، لم تكن معروفة من قبل، أو مشهورة، ممن قالوا بجواز الرمي قبل الزوال مثل: ابن عباس وابن الزبير من الصحابة، ومثل عكرمة وغيره من التابعين.

ومثل إمام الحرمين الجويني من الشافعية، وابن الجوزي وابن الزاغوني من الحنابلة، بالإضافة إلى الأسماء المعروفة من قبل.

ولكن الذي أخذته على الباحث حفظه الله: أنه كان متحفظا إلى حد بعيد،

فهو يقدم رجلا ويؤخر أخرى، وكأنه يخشى من سهام النقد التي ستوجه إليه من المتشددين، فأراد أن يرضيهم، أو يكف ألسنتهم عنه، رغم أن نتائج بحثه تنادي بأن الرمي قبل الزوال: أمر مشروع ولا شك فيه، قال به صحابة وتابعون، وأئمة معتبرون، من المتقدمين والمتأخرين، والنصوص القرآنية والنبوية تشهد له، ومقاصد الشريعة تؤيده، والقواعد الفقهية تسنده، وحاجة الناس توجب القول به، دون أدنى حرج. فما بال الباحث الكريم يتخوف أو يتحرج من إعلان هذه النتيجة، بعد أن كادت تنطق على طرف لسانه؟ وهي النتيجة التي انتهى إليها علامة قطر الشيخ عبد الله بن زيد المحمود منذ أكثر من أربعين سنة، يؤيده بالأدلة المقنعة، وقد ناقشها الباحث، ونقد بعضها، ورجح بعضها، وهو كافي في ترجيح التعبير على التعبير

أما نصوص القرآن، فيكفي قوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) البقرة:185 (وما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج:78 (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) النساء:28

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير