تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما نصوص الحديث، فقوله صلى الله عليه وسلم: "يسروا ولاتعسروا" متفق عليه عن أنس " إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" رواه البخاري عن أبي هريرة.

وفي الحج خاصة: أنه ما سئل عن أمر قدم ولا أخر في الحج إلا قال:"افعل ولا حرج"، وأنه صلى الله عليه وسلم راعى الأعذار المختلفة فرخص لأصحابها، مثل إذنه للضعفة أن يرموا جمرة العقبة بعد منتصف ليلة النحر، وإذنه للرعاة والسقاة ألا يبيتوا بمنى.

وقوله في حديث عروة بن مضرس " أيما مسلم شهد معنا هذه الصلاة –يعني صلاة الصبح بمزدلفة- وقد وقف قبل ذلك بعرفة من ليل أو نهار، فقد تم حجه وقضى تفثه" والعجب ممن يصحح هذا الحديث ثم يفتي ببطلان حج من رمى قبل الزوال؟

وقد اعتمد الباحث على أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في المناسك بيان للأمر القرآني بالحج، والفعل إذا صدر تطبيقا للأمر الواجب كان واجبا، ولا سيما بعد قوله: "خذوا عني مناسككم".

هذا مع أن دلالة الأمر النبوي على الوجوب فيه خلاف، ذكره الزركشي في البحر، وأنا ممن يرى أن الأصل في الأمر النبوي: الإستحقاق، ولا يدل على الوجوب إلا بقرينة.

على أنه ناقش ذلك بعد، فبين أن الفعل النبوي الصادر بيانا للأمر، قد يشتمل على الواجب والمستحب والمباح. وهذا حق.

ولكن الذي وقف الباحث أمامه: أن الرسول لم يرم في أيام التشريق إلا بعد الزوال، ولو كان جائزا لفعله ولو مرة، وهذا مردود عليه بأدلة كثيرة: منها: أن الرسول فعل ذلك في جمرة العقبة، حيث كان الأيسر عليه الرمي في ضحى يوم النحر، وهو نازل إلى مكة. وأنه لما سئل عن أشياء كثيرة قدمت أو أقرت، قال: افعل ولا حرج .. وأن الشافعية والحنابلة أجازوا تأخير الرمي كله إلى آخر يوم، معتبرين الأيام كلها بمنزلة اليوم الواحد، وأن أبا حنيفة أجاز الرمي من بعد الفجر في يوم النحر، تسهيلا على النازلين من منى إلى مكة.

وأما شهادة المقاصد الشرعية لهذا الرأي، فهو أن الله قد أنزل الشرائع وفصل الأحكام للمحافظة على الضروريات من الدين والنفس والعقل والنسب والمال، (وزاد بعضهم العرض). فحفظ النفس من الكليات الضرورية المطلوب حفظها. وقد قسم الأصوليون المصالح إلى أقسام منها: الضروري والحاجي والتحسيني، ورمي الجمار من التحسينيات في الحج، لأنه يقع بعد التحلل النهائي من الحج، فلا يمكن أن يسمح الشرع من أجل تحصيله بقتل الأنفس، وحفظها من الضروريات بيقين.

كما أن من مقاصد الرمي: ذكر الله تعالى، كما جاء في الحديث أن الذكر هو المقصود من أعمال الحج، وكما قال تعالى: (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) الحج:28 وقال: (واذكروا الله في أيام معدودات) البقرة:203 وكان النبي يقف عند الجمرة الأولى والثانية ويذكر الله ويدعو ويطيل الدعاء. فهل يمكّن هذا الزحام الهائل والموج المائج من البشر أحدا من أن يذكر الله ويدعوه؟!

كما أن القواعد الشرعية الفقهية المعروفة والمتداولة بين الفقهاء، كلها تؤيد هذا الرأي، مثل: المشقة تجلب التيسير، إذا ضاق الأمر اتسع. لا ضرر ولا ضرار. الضرورات تبيح المحظورات. درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.

أما حاجة الناس، فلا تخفى على أحد له عين يرى، وكل عام يزداد الحج زحاما، وموت الناس تحت الأقدام كارثة لاتزال تتكرر، برغم المجهودات والترتيبات الهائلة التي تقوم الهيئات المتخصصة بالمملكة السعودية، لتسهيل أمور الحجيج في كل عام.

هذا وقد بلغني: أن مكبرات (الميكروفونات) التي كانت تذيع على الناس فتوى بطلان الرمي قبل الزوال، لم تسمع ولم تر في هذا الموسم، وأن بعض علماء المملكة غدوا يفتون بالجواز، نزولا على حكم الضرورة، وارتضاء لمنهج التيسير، الذي طالما اتهموا دعاته بأنهم من المفرطين والمضيعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

على أية حال لا يسعني إلا أن أقدر للباحث بحثه القيم، وأدعو له بالتوفيق في خدمة العلم، ونصرة الإسلام، سائلا الله تعالى أن يشرح له صدره، وييسر له أمره، ويثبت على الحق قدميه. آمين. وآخر دعوانا: أن الحمد لله رب العالمين.

مقدمة الباحث

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، أما بعد ..............

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير