(1) أن الحكم فيها ظني.
(2) أن الخلاف لم ينقطع فيها لعدم الإجماع عليها.
وهما ثمرتان توجدان عن انتفاء الإجماع، وتنتفيان عند وجوده.
المبحث الثاني
مذاهب العلماء في وقت رمي الجمار
في اليوم الحادي عشر من ذي الحجة
هذا اليوم هو ثاني أيام العيد، وأول أيام التشريق الثلاثة، وقد اختلف العلماء في بداية وقت الرمي في هذا اليوم على رأيين: ـ
الرأي الأول: ـ وهو أن وقت بدء الرمي بعد الزوال، ولا يجوز الرمي قبله، فإن رمى قبله أعاد الرمي، لأنه لا يجزئه، وبهذا قال جماهير العلماء من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم.
أولا مذهب الحنفية: ـ
قال في بدائع الصنائع: ـ
" وأما وقت الرمي من اليوم الأول والثاني من أيام التشريق، وهو اليوم الثاني والثالث من أيام النحر فبعد الزوال، حتى لا يجوز الرمي فيهما قبل الزوال في الرواية المشهورة عن أبي حنيفة "
ثانيا مذهب المالكية: ـ
قال في الشرح الكبير: ـ
" ـ ووقت أداء كلّ ٍ ـ من الزوال للغروب "
ثالثا مذهب الشافعي: ـ
قال الخطيب الشربيني: ـ
" ويدخل رمي ـ كل يوم ـ من أيام ـ التشريق بزوال الشمس ـ من ذلك اليوم "
وقال النووي في المجموع: ـ
" لا يجوز الرمي في هذه الأيام إلا بعد زوال الشمس، ويبقى وقتها إلى غروبها "
رابعا مذهب الحنابلة: ـ
قال ابن قدامه: ـ
" ولا يرمى في أيام التشريق إلا بعد الزوال، فإن رمى قبل الزوال أعاد،
نص عليه أحمد، وروى ذلك عن ابن عمر، وبه قال مالك والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي، وروي عن الحسن وعطاء "
وقال المر داوي في الإنصاف: ـ
" هذا الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم، ونص عليه "
أدلة القائلين بوجوب الرمي بعد الزوال في هذا اليوم
1 ـ حديث جابر بن عبد الله: ـ
" رمى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد فإذا زالت الشمس " رواه مسلم
قال النووي في شرح مسلم معلقا على هذا الحديث: ـ
" وأما أيام التشريق فمذهبنا ومذهب مالك وأحمد (وجماهير العلماء) أنه لا يجوز الرمي في الأيام الثلاثة إلا بعد الزوال لهذا الحديث الصحيح "
وقال أيضا: ـ
" دليلنا أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ رمى كما ذكرنا وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ لتأخذوا عني مناسككم "
وقال الكاساني بعد ذكر حديث جابر كدليل على الرواية المشهورة عن أبي حنيفة والتي سبق ذكرها: ـ
" وهذا باب لا يعرف بالقياس بل بالتوقيف "
2 ـ قال ابن قدامه: ـ
" ولنا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما رمى بعد الزوال، لقول عائشة: (يرمي الجمرة إذا زالت الشمس)، وقول جابر في صفة حج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
: (يرمي الجمرة ضحي يوم النحر، ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس)، وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (خذوا عني مناسككم) "
ومقصود ابن قدامه ـ رحمه الله ـ هنا، أن فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيان لقوله " خذوا" وهو أمر والأمر للوجوب، والبيان تابع للمبين، إذا ففعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم يدل على الوجوب، لأنه بيان للواجب، وتبعية البيان للمبين تكون في الحكم، كما هو عند الأصوليين، والأمر بالشيء نهي عن ضده، فكل ما كان ضد أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو منهي عنه، والضد هنا هو الرمي قبل
الزوال، فيكون منهيا عنه، ضمن قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم: ـ " خذوا عني مناسككم "
وهذا هو معتمد الجمهور في القول بعدم جواز الرمي قبل الزوال، كما سيأتي بيانه ـ إن شاء الله ـ.
3 ـ حديث ابن عباس، قال: ـ
" إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس، قدر ما إذا فرغ من رميه صلى الظهر"
4 ـ حديث عائشة: ـ
" ثم رجع إلي منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات "
5 ـ عن وبرة بن عبد الرحمن قال: ـ
" سألت ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ متى أرمي الجمار؟ قال إذا رمى إمامك فارمه. فأعدت عليه المسألة. قال: ـ " كنا نتحين، فإذا زالت الشمس رمينا " رواه البخاري في صحيحه
قال ابن الأثير: ـ
" تحينت الوقت أي طلبت الحين وهو الوقت "
وقال المحب الطبري: ـ
" وقوله (نتحين) أي نطلب حينها، والحين: الوقت.
ومنه: كانوا يتحينون وقت الصلاة، أي يطلبون حينها "
وقال ابن حجر: ـ
¥