(8) أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما أخره إلى ما بعد الزوال، لقصد أن يصلي بالناس الظهر بمسجد الخيف من منى، فيخرج للصلاة وللرمي خروجا واحدا كما فعل، فإنه لما فرغ من رمي الجمار، انصرف إلى المسجد، فصلى بالناس فيه، وذكرهم أحكام حجهم.
والجواب: ـ
أنه لو كان هذا هو مقصود النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لبينه ووضحه، لئلا يعتقد الصحابة عدم الجواز قبل هذا الوقت، لاسيما أن فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الموضع بيان، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولو كان هذا قصده، لأدى الصلاة يوما قبل الرمي، ويوما بعد الرمي، ليظهر للناس بذلك أنه لم يؤخر الرمي إلا لأجل صلاة الظهر كما هو مزعوم في الدليل المذكور.
قال الشيخ بن عثيمين ـ رحمه الله ـ: ـ
" الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بادر بالرمي حين زالت الشمس، فيرمي قبل أن يصلي الظهر، وكأنه يترقب زوال الشمس ليرمي ثم ليصلي الظهر، ولو جاز قبل الزوال لفعله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولو مرة بيانا للجواز، أو فعله بعض الصحابة، وأقره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذا هو القول الراجح "
(9) لو كان ما قبل الزوال وقت نهي، غير قابل للرمي لبينه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بنص جلي قطعي الرواية والدلالة واردا مورد التكليف العام، إذ لا يجوز في الشرع تأخير بيان مثل هذا عن وقت حاجته.
والجواب: ـ
ماسبق ذكره من أن الأصل في العبادات المنع، فلا نحتاج إلى دليل لبيان عدم جوازها، ولكن نحتاج إلى دليل على جوازها، ومما يدل على هذا، قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "
قال الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ تعليقا على هذا الحديث: ـ
" فإنه يشمل بعمومه إحداث عبادة لم تعلم من الشرع،ويشمل بعمومه أيضا فعل عبادة مأمور بها، لكن فعلها الفاعل في غير وقتها الذي أمر بها فيه كمسألتنا ـ يعني الرمي قبل الزوال ـ،ويشمل بعمومه فعل عبادة قد أمر بها فيه، لكن عملها في مكان غير المكان الذي عين أن تفعل فيه، ونظير ذلك لو فعلها في وقتها الذي أمر أن تفعل فيه، وفي المكان الذي أمر أن تفعل فيه، لكن زاد فيها ونقص "
(10) أنه لو كان التقدير بهذا الزمن القصير شرطا، لسقط للعجز عنه، أو لجاز تقديمه، محافظة على أصل فعله، لأن القول بلزومه يستلزم الحكم بسقوطه في خاصة هذه الأزمان، مع شدة الزحام.
والجواب: ـ
أن العجز عن فعل العبادة لايؤذن بسقوطها في كل حال، ولكن يرخص في العمل ببدلها إذا كان لها بدل، كالعاجز عن القيام في الصلاة، فإنه يصلي قاعدا أو على جنبه كما صح بذلك الحديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والرمي يدخل تحت نوع العبادات التي يمكن آداؤها عند العجز عنها بطريق الاستنابة، وهو أمر متفق عليه في الجملة، بين فقهاء المذاهب الأربعة وغيرهم، ونجمل ذلك فيما يلي: ـ
1ـ مذهب جمهور العلماء، من الحنفية والشافعية والحنابلة، أنه يجوز للعاجز عن الرمي أن يستنيب من يرمي عنه ويجزئه، قال السرخسي: ـ
" وإن رمى عنه أجزأه بمنزلة المغمى عليه، فإن النيابة تجري في النسك كما في الذبح "
وقال ابن قدامة في المغني: ـ
" إذا كان الرجل مريضا أو محبوسا أو له عذر، جاز أن يستنيب من يرمي عنه، قال الأثرم: ـ قلت لأبي عبد الله: ـ إذا رمى عنه الجمار يشهد هو ذاك، أو يكون في رحله؟
قال: ـ يعجبني أن يشهد ذاك إن قدر حين يرمى عنه، قلت: ـ فإن ضعف عن ذلك، أيكون في رحله ويرمى عنه؟
قال: ـ نعم "
وقال الشيرازي في المهذب: ـ
" ومن عجز عن الرمي بنفسه لمرض مأيوس منه أو غير مأيوس جاز أن يستنيب من يرمي عنه، لأن وقته مضيق، وربما مات فبل أن يرمي، بخلاف الحج "
2 ـ مذهب المالكية، وهو جواز الاستنابة في الرمي للعاجز عنه، لكن يستحب له أن يشهد الرمي ويكبر، ولا يسقط عنه الدم بذلك، قال علي بن أحمد
الصعيدي العدوي المالكي في حواشيه على شرح مختصر الخرشي: ـ
" ويجوز للعاجز الاستنابة في أيام الرمي الثلاثة، ولو رجا الصحة فيها "
وقال العدوي الدردير في الشرح الكبير: ـ
¥