ووافق على ذلك أيضا ابن طاووس، وعكرمة كما في الحاوي، ومحمد بن علي أبو جعفرالباقر، وابن الجوزي وابن الزغواني من الحنابلة،
والإسنوي والرافعي وإمام الحرمين من الشافعية، وهو المنقول عن ابن عباس وابن الزبير ـ على التفصيل السابق الذكر.
وقد بينا أدلة الفريقين، وعزونا إلي من نقل عنهم، مع تحقيق الآثار الواردة، وبيان درجتها من الصحة.
** المبحث الثالث **
** مقارنة وترجيح **
فإن قول الجمهور يعتمد أساسا على أن أفعال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحج بيان للواجب المجمل، ومسألة بيان المجمل بفعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تحتاج إلى تفصيل، لما في ذلك من الأهمية بالنسبة لمسألة الحج خصوصا، فنقول: ـ
إن الحج أخذت أحكامه التفصيلية من فعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بياناً للآية " ولله على الناس حج البيت من أستطاع إليه سبيلاً "
قال ابن النجار: ـ
" البيان يحصل بالفعل على الصحيح، وعليه معظم العلماء، والمراد فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخالف في ذلك شرذمة قليلون " أ. هـ
والبيان له حكم المبين، إذا كان البيان لأمر مجمل، كفعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لبيان آية وجوب الحج، فهو واجب تبعا للمبين.
وإذا كان المجمل حكمه الندب، كان حكم البيان الندب كذلك، كإقامة ثالث أيام التشريق في منى، وقد قال تعالى: ـ" فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن أتقى "
وإن كان إباحة كان الفعل مباحاً.
يقول القرافي في تنقيح الفصول: ـ
" البيان يعد كأنه منطوق به في ذلك المبين، فبيانه الحج الوارد في كتاب الله يعد منطوق به في آية الحج، كأن الله تعالى قال: " ولله على الناس حج البيت " ـ على هذه الصفة ـ، وكذلك بيانه لآية الجمعة، فعلها ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخطبة
وجماعة وجامع وغير ذلك، فصار معني الآية "يا أيها الذين أمنواإذا نودي للصلاة " ـ التي هذا شأنها ـ " من يوم الجمعة فاسعوا إلي ذكر الله " وإذا كان البيان يعد منطوقا به في المبين، كان حكمه حكم ذلك المبين، إن واجبا فواجب أو مندوبا فمندوب أومباحا فمباح "
وقال ابن النجار في شرح الكوكب المنير: ـ
" أو تُعلم صفة حكم الفعل بوقوعه امتثالاً لنص يدل على حكم من إيجاب أو ندب، فيكون هذا الفعل تابعاً لأصله الذي هو مدلول النص من ذلك، فكل فعل من ذلك عُلمت صفة حكمه في حقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأمته مثله " أ. هـ
وقال ابن تيمية في شرح العمدة: ـ
" والفعل ـ أي فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الحج ـ إذا خرج مخرج الأمتثال والتفسير، كان حكمه حكم الأمر، وهو داخل في عموم قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " خذوا عني مناسككم"
هذا على وجه العموم، لكن بعض العبادات المجملة في القرآن والتى حكمها الوجوب، وجدنا أن بيان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لها يشتمل على الواجب وغير الواجب كالصلاة والحج، فنجد أن البيان جاء مشتملا على بعض السنن مع الوجبات
، وعلى هذا فلا يصلح ذلك دليلا على أن أفعاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الصلاة والحج كلها واجبة، بناء على أنها بيان للواجب. بل أفعاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هاتين العبادتين مختلطة واجبها بمندوبها غير متميزة، والعمدة في تمييز ذلك على الأدلة الأخرى، وينظر في كل فعل بخصوصه، ومايحتف به من القرائن.
وهذا ما ذهب إليه جمع من العلماء، وهو أن البيان المشتمل على واجب ومندوب يأخذ حكم فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المجرد، فلا نرجح كونه واجبا أو مندوبا إلا بقرينة، وهذا هو الراجح.
قال محمد سليمان الأشقر: ـ
" فأقصى مايدل عليه الحديث، أن يدل على مشروعية أفعاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحج، أما التفريق بين واجبها ومندوبها فلا بد من المصير إلى وجه آخر في الدلالة على ذلك، وحكم أفعاله من هذه الناحية حكم سائر أفعاله المجردة "
علما بان حكم الفعل المجرد عن القرينة الوجوب عند الجمهور بشرط أن يقصد به القربة
والحج عبادة محضة ظهر فيها معني القربة.
قال في شرح الكوكب المنير: ـ
¥