عدم جواز الرمي قبل الزوال مطلقا، وهو مذهب الجمهور من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم، فهو مذهب المالكية والشافعية والرواية المشهورة عند الحنفية، والرواية الصحيحة عن الإمام أحمد وهي معتمد مذهب الحنابلة.
وقد سبقت النقول من كتبهم عند الكلام على اليوم الأول، فلا داعي لإعادته، لكن لهم دليل زائد هنا وهو: ـ
" أنه لا يجوز تركه فيهما ـ يعني في اليوم الأول والثاني، والمقصود رمي الجمار ـ فبقى على الأصل المروي. "
يعنون أن المروي الرمي بعد الزوال، ولم يُرخص في ترك الرمي في اليومين الحادي عشر والثاني عشر، مثل ما رخص في ترك الرمي في اليوم الثالث تبعا لترك المبيت، فلم يخفف فيهما كما خفف في الثالث، على ما سيأتي بيانه.
المذهب الثاني: ـ
جواز الرمي قبل الزوال مطلقا، وهو ما ذهب إليه طاووس وعطاء (بناء على مانقله البعض عن عطاء، وقد سبق بيان نهي عطاء عن الرمي قبل الزوال، وذكرنا
ما فيه من الاحتمالات) وعكرمة، وأبو حنيفة في غير ظاهر الرواية على تفسيرها بالإطلاق أو بيوم النفر كما مضى، وأبو جعفر الباقر وابن الجوزي من مذهب الحنابلة وابن الزاغواني كذلك، والرافعي والإسنوي والجويني من الشافعية، وغيرهم ممن قالوا بالجواز مطلقا، وقد ذكرناهم عند كلامنا على اليوم الأول.
فجميع هؤلاء ذهبوا إلي جواز الرمي قبل الزوال مطلقاً نفر أم لم ينفر، وأدلتهم هي نفس الأدلة المذكورة في اليوم الأول.
المذهب الثالث: ـ
وهو جواز الرمي قبل الزوال في هذا اليوم، بشرط أن يكون سينفر فيه، وهذا ما ذهب إليه أحمد ابن حنبل في رواية، ولاينفر عنده إلا بعد الزوال، قال ابن مفلح في الفروع: ـ
" وعنه: يجوز رمي متعجل قبل الزوال، ؤينفر بعده " وهذا هو قول إسحاق وعكرمة، وقول أبي حنيفة ـ بناء على تأويل الرواية غير المشهورة على أن المقصود بها جواز الرمي قبل الزوال يوم النفر الأول ـ وهي رواية عن أبي يوسف ويشترط عند أبي حنيفة أن يكون سينفر في هذا اليوم كالرواية المذكورة عند الحنابلة، لكنهم يجيزون النفر قبل الزوال، قال ابن نجيم: ـ
" وإنما لايجوز قبل الزوال لمن لايريد النفر،فمحمول على غير ظاهر الرواية، فإن ظاهر الرواية أنه لايدخل وقته في اليومين إلا بعد الزوال "
وذكر الزركشي رواية أخرى عن الإمام أحمد يجيز فيها الرمي قبل الزوال والنفر قبله وفاقا لأبي حنفية مطلقا، فقال: ـ " قال في رواية ابن منصور: ـ إذا رمى عند طلوع الشمس في النفر الأول ثم نفر، كأنه لم ير عليه دما "
و بذلك قال طاووس، قال ابن قدامة في المغني: ـ " وقال طاووس: ـ يرمي قبل الزوال، وينفر قبله "
وممن اعتمدهذه الرواية عند الحنفية، صاحب البحر العميق، فيما نقله عنه ملا علي القاري في إرشاد الساري، نقلا عن الإكليل للشيخ عبد الحق الذي ذكره بدوره عن الضوء المنير على المنسك الصغير لقاضي زاده فقال: ـ
" وهذا ـ يعني جواز الرمي قبل الزوال في يوم النفرالأول ـ إنما يتأتي على رواية الحسن، فهو اختيار منهم لقول الحسن، فهو قول مختار يُعمل به بلا ريب، وعليه عمل الناس، وبه جزم بعض الشافعية حتى زعم الإسنوي أنه المذهب ".
أدلة هذا الرأي
ـ كل ما ذكرناه من أدلة لجواز الرمي قبل الزوال في اليوم الأول يصلح أن يكون دليلا لجوازه في هذا اليوم عند من يرون الجواز في الأيام الثلاثة، أما من يرون أن الجواز مقيد بيوم النفر فدليلهم: ـ
أن الرمي قبل الزوال يجوز دفعا للحرج، لأنه إذا رمي بعد الزوال لا يصل إلي مكة إلا بالليل فيحرج في تحصيل المنزل.
المراد بقبل الزوال عند الحنفية: ـ
قال في إرشاد الساري نقلاً عن الشيخ / طاهر سنبل في ضياء الأبصار: ـ
" ويظهر أن المراد بما قبل الزوال على كلٍّ من الروايتين من طلوع الفجر، لأته أول النهار، ولخروج وقت رمي اليوم الذي قبله "
والحاصل أن الأقوال في هذا اليوم ثلاثة، أما المذهب الأول والثاني، فقد سبق الكلام عنهما، عند الكلام عن اليوم الأول، وفصلنا القول فيها هناك، لأن كل فريق منهما يُطلق الحكم بالجواز أو المنع، وقد رجحنا هناك المنع لقوة دليله، وللخروج
من الخلاف، مع القول بالجوازعند الحاجة إليه مراعاة للقول بالجواز، وما معه من أدلة قوي مدركها، كما سبق ذكرها مفصلة.
¥