: كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن أقطعها} " صحيح أبي داود " (193)، وهو في حكم المرفوع لأنه يستبعد عادة أن لا يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فلو كان الدم الكثير ناقضا لبينه صلى الله عليه وسلم، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما هو معلوم من علم الأصول. وعلى فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم خفي ذلك عليه، فما هو يخفى على الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، فلو كان ناقضا أو نجسا لأوحى بذلك إلى نبيه صلى الله عليه وسلم كما هو ظاهر لا يخفى على أحد
3 - أنَّ المسلمين مازالوا يُصلُّون في جراحاتهم في القتال، وقد يسيل منهم الدَّمُ الكثير، الذي ليس محلاًّ للعفو، ولم يرد عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الأمرُ بغسله، ولم يَرِدْ أنهم كانوا يتحرَّزون عنه تحرُّزاً شديداً؛ بحيث يحاولون التخلِّي عن ثيابهم التي أصابها الدَّم متى وجدوا غيرها.
4 ـ أنَّ أجزاء الآدميِّ طاهرة، فلو قُطِعَت يده لكانت طاهرة مع أنَّها تحمل دماً؛ ورُبَّما يكون كثيراً، فإذا كان الجزء من الآدمي الذي يُعتبر رُكناً في بُنْيَة البَدَن طاهراً، فالدَّم الذي ينفصل منه ويخلفه غيره من باب أولى.
5 ـ أنَّ الآدمي ميْتته طاهرة، والسَّمك ميْتته طاهرة، وعُلّل ذلك بأن دم السَّمك طاهر؛ لأن ميتته طاهرة، فكذا يُقال: إن دم الآدمي طاهر، لأن ميتته طاهرة.
ومن هذه الأدلة السابقة يتضح وضوحاً ظاهراً طهورة دم الإنسان والله تعالى أعلى واعلم.
ويُستثنى من ذلك ما خرج من أحد السبيلين (القبل أو الدبر) لملاقاة النجاسة فهو نجس
القسم الثاني: دم الحيوان
1) - دم الحيوان الذي يؤكل لحمه.
ذهب بعض العلماء إلى نجاسته والكلام فيه كالكلام في دم الآدمي من حيث عدم وجود دليل صحيح على نجاسته والأصل في الأشياء الطهارة كما بينا سابقا ومما يؤكد طهارته أيضا
عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قال {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَجَاءَ بِهِ فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَأَنَا أَنْظُرُ لَا أُغْنِي شَيْئًا لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ قَالَ فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ ..... الحديث} رواه البخاري ومسلم.
فلو كان دم الجزور نجسا لخرج الرسول صلى الله عليه وسلم من صلاته.
ولقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه {أنه نحر جزورا، فتلطخ بدمها وفرثها ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يتوضأ}. أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (1/ 125)، وابن أبي شيبة (1/ 392)، والطبراني في " المعجم الكبير " (9/ 28 4) بسند صحيح عنه، ورواه البغوي في " الجعديات " (2/ 887 / 2503).
ويُستثنى من ذلك الدم المسفوح:- والدم المسفوح هو الذي يخرج عندما تذبح الذبيحة؛ فيهراق ويسيل بكثرة ويتدفق، فهذا الدم يعتبر نجسا قال سبحانه وتعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة:3].
الدم هنا المقصود به: المسفوح؛ لأنه قيد في آية أخرى في الأنعام قال سبحانه وتعالى قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [الأنعام:145].
¥