وقال الفروع: (من كتب الحنابلة) ص253 جـ 1ط دار مصر للطباعة: ويعفى على الأصح عن يسير دم وما تولد منه (و) وقيل من بدن. أ.هـ، والرمز بالواو في اصطلاحه إشارة إلى وفاق الأئمة الثلاثة، ومقتضى هذا أن الدم نجس عند الأئمة الأربعة لأن التعبير بالعفو عن يسيره يدل على نجاسته.
وقال في الكافي: (من كتب الحنابلة) أيضاً ص 110/ جـ 1 ط المكتب الإسلامي: والدم نجس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء في الدم: "اغسليه بالماء" (متفق عليه)، ولأنه نجس لعينه بنص القرآن أشبه الميتة ثم ذكر ما يستثنى منه ونجاسة القيح والصديد، وقال إلا أن أحمد قال: هما أخف حكماً من الدم لوقوع الخلاف في نجاستهما وعدم التصريح فيهما. أ.هـ. وقوله لوقوع الخلاف في نجاستهما ما يفيد بأن الدم لا خلاف في نجاسته.
وقال في المهذب: (من كتب الشافعية) ص511 جـ 2ط المطيعي: وأما الدم فنجس ثم ذكر في دم السمك وجهين أحدهما نجس كغيره، والثاني طاهر.
وقال في جواهر الإكليل: (من كتب المالكية) ص9 جـ 1 ط الحلبي في عد النجاسات: ودمٍ مسفوح أي جارٍ بذكاةٍ أو فصدٍ، وفي ص11 منه فيما يعفى عنه من النجاسات: ودون درهم من دم مطلقاً عن تقييده بكونه من بدن المصلي أو غير حيض وخنزير أو في بدن أو ثوب أو مكان. أ.هـ.
وقال في شرح مجمع الأنهر: (من كتب الحنفية) ص51 - 52 جـ 1 ط عثمانية: وعُفي قدر الدرهم من نجس مغلظ كالدم والبول، ثم ذكر ص 53 منه أن دم السمك والبق والقمل والبرغوث والذباب طاهر.
فهذه أقوال أهل العلم من أهل المذاهب المتبوعة وغيرهم صريحة في القول بنجاسة الدم واستثناؤهم ما استثنوه دليل على العموم فيما سواه، ولا يمكن إنكار أن يكون أحد قال بنجاسة بعد هذه القول عن أهل العلم.
وأما ما ذكر في رقم 2فالكلام في نجاسة الدم لا في تحريمه، والتحريم لا يلزم منه التنجيس فهذا السم حرام، وليس بنجس، فكل نجس محرم وليس كل محرم نجساً، فنقل الكلام من البحث في نجاسته إلى تحريمه غير جيد، ثم إن التعبير بأن ثبوت تحريمه كان بإشارة المحدثين والمفسرين مع أنه كان بنص القرآن القطعي غير سديد، فتحريم الدم المسفوح كان بنص القرآن القطعي المجمع عليه لا بإشارة المحدثين والمفسرين كما يعلم.
وأما ما ذكر في رقم (3) فإن سياق كلامكم يدل على أنكم تقصدون بالدم المسفوح فقط أو هو وغيره لأنكم ذكرتم أن غير المسفوح لم يقل أحد بنجاسته، وأن موضع الخلاف هو الدم المسفوح.
ولو رجعتم إلى الكتاب والسنة لوجدتم فيهما ما يدل على نجاسة الدم المسفوح ودم الحيض ودم الجرح.
فأما نجاسة الدم المسفوح ففي القرآن، قال الله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ}، فإن قوله: {محرماً} صفة لموصوف محذوف والتقدير: شيئاً محرماً، والضمير المستتر في: {يكون} يعود على ذلك الشيء المحرم، أي إلا أن يكون ذلك الشيء المحرم ميتة إلخ، والضمير البارز في قوله: {فإنه} يعود أيضاً على ذلك الشيء المحرم، أي فإن ذلك الشيء المحرم رجس، وعلى هذا فيكون في الآية الكريمة بيان الحكم وعلته في هذه الأشياء الثلاثة: الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير، ومن قصر الضمير في قوله: {فإنه} على لحم الخنزير معللاً ذلك بأنه أقرب مذكور فقصره قاصر، وذلك لأنه يؤدي إلى تشتيت الضمائر وإلى القصور في البيان القرآني حيث يكون ذاكراً للجميع: (الميتة، والدم المسفوح، ولحم الخنزير) حكماً واحداً يعلل لواحد منها فقط.
وكذلك من قَصَرَهُ على لحم الخنزير معللاً بأنه لو كان الضمير للثلاثة لقال: فإنها أو فإنهن، فجوابه:
أننا لا نقول إن الضمير للثلاثة بل هو عائد إلى الضمير المستتر في {يكون} المخبر عنه بأحد الأمور الثلاثة.
¥