? إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ?190? الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ?191? رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ?192? رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ?193? رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ?194?? ..
ما الآيات التي في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار ? ما الآيات التي تتراءى لأولي الألباب عندما يتفكرون في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار, وهم يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ? وما علاقة التفكر في هذه الآيات بذكرهم الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ? وكيف ينتهون من التفكر فيها إلى هذا الدعاء الخاشع الواجف:
? ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك! فقنا عذاب النار ? ..
إلى نهاية ذلك الدعاء ?
إن التعبير يرسم هنا صورة حية من الاستقبال السليم للمؤثرات الكونية في الإدراك السليم. وصورة حية من الاستجابة السليمة لهذه المؤثرات المعروضة للأنظار والأفكار في صميم الكون, بالليل والنهار.
والقرآن يوجه القلوب والأنظار توجيها مكررا مؤكدا إلى هذا الكتاب المفتوح; الذي لا تفتأ صفحاته تقلب, فتتبدى في كل صفحة آية موحية, تستجيش في الفطرة السليمة إحساسا بالحق المستقر في صفحات هذا الكتاب, وفي "تصميم" هذا البناء, ورغبة في الاستجابة لخالق هذا الخلق, ومودعه هذا الحق, مع الحب له والخشية منه في ذات الأوان!!! وأولو الألباب .. أولو الإدراك الصحيح .. يفتحون بصائرهم لاستقبال آيات الله الكونية; ولا يقيمون الحواجز, ولا يغلقون المنافذ بينهم وبين هذه الآيات. ويتوجهون إلى الله بقلوبهم قياما وقعودا وعلى جنوبهم, فتتفتح بصائرهم, وتشف مداركهم, وتتصل بحقيقة الكون التي أودعها الله إياه, وتدرك غاية وجوده, وعلة نشأته, وقوام فطرته. بالإلهام الذي يصل بين القلب البشري ونواميس هذا الوجود.
ومشهد السماوات والأرض, ومشهد اختلاف الليل والنهار. لو فتحنا له بصائرنا وقلوبنا وإدراكنا. لو تلقيناه كمشهد جديد تتفتح عليه العيون أول مرة. لو استنقذنا حسنا من همود الإلف, وخمود التكرار .. لارتعشت له رؤانا, ولاهتزت له مشاعرنا, ولأحسسنا أن وراء ما فيه من تناسق لا بد من يد تنسق; ووراء ما فيه من نظام لا بد من عقل يدبر; ووراء ما فيه من إحكام لا بد من ناموس لا يتخلف .. وأن هذا كله لا يمكن أن يكون خداعا, ولا يمكن أن يكون جزافا, ولا يمكن أن يكون باطلا.
ولا ينقص من اهتزازنا للمشهد الكوني الرائع أن نعرف أن الليل والنهار, ظاهرتان ناشئتان من دورة الأرض حول نفسها أمام الشمس. ولا أن تناسق السماوات والأرض مرتكز إلى "الجاذبية " أو غير الجاذبية .. هذه فروض تصح أو لا تصح, وهي في كلتا الحالتين لا تقدم ولا تؤخر في استقبال هذه العجيبة الكونية, واستقبال النواميس الهائلة الدقيقة التي تحكمها وتحفظها .. وهذه النواميس - أيا كان اسمها عند الباحثين من بني الإنسان - هي آية القدرة, وآية الحق, في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار.
والسياق القرآني هنا يصور خطوات الحركة النفسية التي ينشئها استقبال مشهد السماوات والأرض, واختلاف الليل والنهار في مشاعر أولي الألباب تصويرا دقيقا, وهو في الوقت ذاته تصوير إيحائي, يلفت القلوب إلى المنهج الصحيح, في التعامل مع الكون, وفي التخاطب معه بلغته, والتجاوب مع فطرته وحقيقته, والانطباع بإشاراته وإيحاءاته. ويجعل من كتاب الكون المفتوح كتاب "معرفة " للإنسان المؤمن الموصول بالله, وبما تبدعه يد الله.
¥