فمن (النوع الأول) وهو ما يستفاد من عمومه وإطلاقه جواز المسح على الجوربين حديث ثوبان رضي الله عنه قال الإمام أحمد رحمه الله في مسنده (1): في مسند ثوبان رضي الله عنه: حدثنا يحيى بن سعيد عن ثور عن راشد بن سعد عن ثوبان قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين) رواه أبو داود في (سننه)
قال العلامة ابن الأثير في (النهاية): (العصائب) هي العمائم لأن الرأس يعصب بها و (التساخين) كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوهما ولا واحد لها من لفظها
أقول: رجال هذا الحديث ثقات مرضيون ما يعلم من مراجعة أسمائهم من كتب الرجال
ومن (النوع الثاني) وهو ما ورد نصا في الجوربين
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 27]
(1) انظر المسند 5/ 275 وقد طبعه المكتب الإسلامي طباعة أنيقة في ست مجلدات
[27]
حديثنا المغيرة وأبي موسى. (فأما حديث المغيرة) فرواه الإمام أحمد في (مسنده) - في مسند الكوفيين - في حديث المغيرة بن شعبة قال: حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أبي قيس عن هزيل (1) بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة (أن رسول الله صلى توضأ ومسح على الجوربين والنعلين)
ورواه أبو داود في (سننه) في (باب المسح على الجوربين)
وأخرجه الترمذي وابن ماجه كلاهما في (باب المسح على الجوربين والنعلين)
وأما (حديث أبي موسى) فوراه ابن ماجه في (سننه) قال: حدثنا محمد بن يحيى حدثنا معلى بن منصور وبشر بن آدم حدثنا عيسى بن يونس عن عيسى بن سنان عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب (2) عن أبي موسى الأشعري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين)
ذكر ما ورد على هذه الأحاديث الثلاثة من الشبه والجواب عنها
الشبهة الأولى:
قالوا: في إسناد حديث ثوبان (الأول) راشد بن سعد
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 28]
(1) بالزاي كزبير تابعي أدرك الجاهلية (قاموس)
(2) براء ثم زاي كجعفر تابعي (قاموس)
[28]
عن ثوبان وقد قال الخلال في علله: إن أحمد بن حنبل قال: لا ينبغي أن يكون راشد بن سعد سمع من ثوبان لأنه مات قديما ا. ه. أي فيكون معللا بالانقطاع لسقوط راو بين راشد وثوبان
و (الجواب) أن هذا إنما يأتي على مذهب من يشترط في الاتصال ثبوت السماع. وقد أنكر الإمام مسلم ذلك في مقدمة صحيحه إنكارا شديدا ورأى أنه قول مخترع وأن المتفق عليه أن يكفي للاتصال إمكان اللقاء والسماع (1) وعليه فالانقطاع في الحديث غير مقطوع به ويرجع الأمر إلى رجال سنده فإذا كان رجاله ثقات كان صحيحا أو حسنا جيدا صالحا للاحتجاج به ولذا أخرجه الإمام أحمد في (مسنده) معولا على الاحتجاج به وتبليغه سنة يعمل بها. وخرجه أيضا أبو داود وسكت عليه وما سكت عليه فهو
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 29]
(1) قلت: وهذا الإمكان متحقق فقد ذكر البخاري أن راشد بن سعد شهد صفين مع معاوية ومن المعلوم أن وقعة صفين كانت سنة (36). ووفاة ثوبان سنة (54). فقد عاصره (18) سنة. وإذا تذكرنا أن العلماء وثقوه - دون خلاف يذكر وأنه لم يرم بالتدليس ينتج من ذلك أن الإسناد متصل وأن إعلاله بالانقطاع مردود لأنه قائم على مذهب من يشترط في الاتصال ثبوت السماع. وهو مرجوح كما أشار إليه المؤلف رحمه الله تعالى. ومما يقوي ما ذكرنا أن البخاري أثبت سماع راشد من ثوبان كما تقدم في كلام أحمد شاكر رحمه الله تعالى وذلك دليل قاطع على لقيه إياه لأن البخاري رحمه الله تعالى من القائلين باشتراط ثبوت السماع في الاتصال وأنه لا يكفي فيه المعاصرة فتأمل
[29]
صالح للاستدلال به. إذ لا جرح في رواته ولا علة ظاهرة فيه فاستوفى شروط الحسن. والحسن كالصحيح في الاحتجاج به والعمل بما فيه. وبالجملة فقصارى أمر هذا الحديث أن يكون حسنا وصالحا ويكفي ذلك
على أن مجرد الانقطاع ليس قادحا فقد وقع في مسلم بضعة عشر حديثا منقطعة وإن تبين وصلها من وجه آخر لأن مقطوع الثقة ليس كغيره ولذلك قبل من المراسيل مراسيل الثقات كما تقرر في موضعه (1)
¥