في حديث المغيرة (الثاني) قالوا: إن فيه شذوذا بيانه أن المروزي قال: إن الإمام أحمد ذكر أبا قيس - أحد رواته فقال: ليس به بأس أنكروا عليه حديثين: حديث المغيرة في المسح فأما ابن مهدي فأبى أن يحدث به وأما وكيع فحدث به. وقال أبو داود في سننه: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث لأن المعروف عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين ا. ه. قال السندي: فكان يراه ضعيفا شاذا و (الشاذ): ما رواه المقبول مخالفا لما هو أولى منه
و (الجواب) من وجوه:
(الأول): أن تضعيفه بما ذكر يعارضه تصحيح الترمذي له فقد قال بعد تخريجه له في سننه: هذا حديث حسن صحيح وهو قول غير واحد من أهل العلم. وتصحيح الترمذي مقدم على تضعيف غيره لأن الترمذي من الطبقة التي تأخرت عن تلك ووقفت على كل ما قيل فيه ورأت أن الحق في تصحيحه وكذا
[33]
صححه ابن حبان (1) وهو ممن استقرأ وسبر أيضا (2)
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 34]
(1) عن الجوهر النقي للمارديني صفحة 74
(2) قلت: هذا الوجه من الجواب لا يستقيم إلا لو كان الترمذي وابن حبان من الأئمة المتثبتين في التصحيح مثل الإمام أحمد ومسلم وغيرهما ممن ضعفوا الحديث ففي هذه الحال تصح المعارضة ويسلم الجواب من الاعتراض لتأخر الترمذي عنهم ووقوفه على ما أعلوه به وأنه لا يقدح ولكن لما كان الترمذي ومثله ابن حبان معروفا بالتساهل في التصحيح حتى قال الذهبي في ترجمة كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف وقد نقل عن الترمذي أنه صحح حديثا له مع أنه متهم عند الشافعي وغيره قال الذهبي: (ولذلك لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي)
قلت: فإذا كان الحال ما ذكرنا فالجواب ضعيف ولكن الحديث صحيح الإسناد وما أعلوه به مردود كما بينه المصنف في الجواب الثاني وأحسن منه بيان الشيخ أحمد المتقدم ص 5/ 10 فقد أجاد كل الإجادة في الرد على الذين أعلوه بالشذوذ والنكارة جزاه الله خيرا. وخلاصة ذلك أن هزيل بن شرحبيل الثقة الذي روى عن المغيرة المسح على الجوربين لا يجوز أن يقال إنه خالف الثقات الذين رووا عنه المسح على الخفين إلا إذا كانت الحادثة واحدة فحينئذ يرد حديث هزيل بالمخالفة والشذوذ لعدم إمكان الأخذ بالروايتين ففي حديث الجماعة عنه: أنه صلى الله عليه وسلم مسح في السفر وليس هذا في حديث هزيل فدل ذلك على أنهما حادثتان مغايرتان وأن الجماعة روت ما لم يرو هزيل وهذا روى ما لم يرو الجماعة فليس من الشذوذ بسبيل ورحم الله الشافعي إذ قال: وليس الحديث الشاذ أن يروي الثقة ما لم يرو الثقات وإنما أن يروي ما يخالف فيه الثقات. انظر (اختصار علوم الحديث) للحافظ ابن كثير
ومن الغريب أن الإمام مسلما الذي أعل الحديث بالشذوذ والمخالفة هو نفسه لما أخرج حديث المسح على الخفين في السفر من طريق الجماعة عن المغيرة أخرجه أيضا من طريق أخرى عنه فزاد فيه المسح على العمامة فعلى طريقته في إعلال حديث هزيل بمخالفته للثقات كان ينبغي أن يعل حديث العمامة أيضا بل هو بالإعلال عنده أولى لأنها زيادة في نفس حديث الجماعة أعني في السفر وليس ذلك عن حديث هزيل
[34]
(الثاني) قال العلامة المحقق علاء الدين المارديني (1) في رد قول البيهقي (أبو قيس الأودي وهزيل لا يحتملان مع مخالفتهما الأجلة الذين رووا هذا الخبر عن المغيرة فقالوا: مسح على الخفين) ما مثاله: هذا الخبر أخرجه أبو داود وسكت عنه وصححه ابن حبان وقال الترمذي حسن صحيح. وأبو قيس عبد الرحمن بن ثروان وثقه ابن معين وقال العجلي ثقة ثبت وهزيل وثقه العجلي وأخرج لهما معا البخاري في صحيحه. ثم إنهما لم يخالفا الناس مخالفة معارضة بل رويا أمرا زائدا على ما رووه بطريق مستقل غير معارض فيحمل على أنهما حديثان ولهذا صحح الحديث كما مر. ا. ه
وهكذا قال شيخ الإسلام منصور الحنبلي في شرح الإقناع: وتكلم بعضهم في الحديث - أي حديث المغيرة - لأن المعروف عن المغيرة (الخفين) قال في المبدع: وهذا لا يصلح مانعا لجواز رواية اللفظين فيصح المسح على ما تقدم (أي الجوربين)
وكذا قال العلامة ملا علي القاري في شرح المشكاة:
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 35]
(1) في الجوهر النقي طبع حيد آباد الدكن صفحة 74
[35]
¥