(أحدها): أنه ضعيف ضعفه الحفاظ وقد ضعفه البيهقي ونقل تضعيفه عن سفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين ومسلم بن الحجاج وهؤلاء هم أعلام أئمة الحديث وإن كان الترمذي قال: (حديث حسن صحيح) فهؤلاء مقدمون عليه بل كل واحد من هؤلاء لو انفرد قدم على الترمذي باتفاق أهل المعرفة
(الثاني): أنه لو صح يحمل على الذي يمكن متابعة المشي عليه جمعا بين الأدلة وليس في اللفظ عموم يتعلق به
(الثالث): حكاه البيهقي رحمه الله عن الأستاذ أبي الوليد النيسابوري أنه حمله على أنه مسح على جوربين منعلين لا أنه جورب منفرد ونعل منفردة فكأنه قال: مسح على جوربيه المنعلين ا. ه
(والجواب عن ذلك): أما قول الإمام النووي: (واحتج أصحابنا بأنه لا يمكن متابعة المشي عليه) فهذا قد يراه المقلد حجة أما المحدث والأصولي فعنده الحجة الكتاب والسنة وما رجع إليهما من بقية الأدلة. وقانون المناظرة يقضي بأن يدفع القوي بالأقوى والحديث بمثله أو بآية لا برأي أو قياس وإلا فيكون ذهابا إلى ما رمى به أهل الرأي (1)
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 39]
(1) يعني الحنفية الذي يروون بعض الأحاديث بآرائهم انتصارا منهم لأقوال أئمتهم وتجد بعض الأمثلة على ذلك في كتابي (أحكام الجنائز وبدعها) في بحث الصلاة على الميت وغيره. ولا أبرئ غيرهم من مثله كما تراه في تأول أصحاب النووي لهذا الحديث الصحيح وقد أحسن المصنف رحمه الله تعالى في الرد عليهم أثابهم الله تعالى
[39]
وليس ثمة في الباب آية ترد هذا الحديث ولا حديث يرده لا بل ثمة ما يؤيده من الكتاب والسنة كما مر وهذا هو الحجة المعروفة في الأصول
وأما قوله: (إنه ضعيف ضعفه الحفاظ) ثم نقل تضعيفه عمن ذكره فجوابه ما قدمناه قبل - في الوجه الثالث - من درء الشبهة الثالثة من معارضة ذلك بتصحيح من صححه على أن سند تضعيفه هو دعوى شذوذه وقد أوضحنا أن الشذوذ ليس علة مضعفة على إطلاقها بل من كان عدلا ضابطا كان تفرده صحيحا لا سيما وقد عضده ما روي بمعناه من حديث النساخين المتقدم وما قواه من عمل الصحب كما سيأتي ولذا صححه الإمام الترمذي ولا يخفي أن المضعفين له مهما كثروا فإن حجة تضعيفهم شذوذه وقد عرفت ما فيها فليس المقام مقام ترجيح بالكثرة والقلة بل المقام مقام استدلال واحتجاج وانطباق على القواعد المرعية وإلا فإن الكثرة ليست من الحجج والبراهين المعروفة ولذا قال الأصوليون (1) في بحث خبر الآحاد: إن عمل الأكثر بخلافه - أي بخلاف خبر الآحاد - لا يمنع وجوب العمل
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 40]
(1) جمع الجوامع في بحث خبر الآحاد
[40]
به لأن عمل الأكثر ليس بحجة وعللوه بأن الحجة هي الإجماع وعمل الأكثر ليس بإجماع لأن الإجماع اتفاق مجتهدي الأمة بخلاف خبر الواحد فإنه حجة بنفسه
على أنا لو أردنا أن نكاثر من ضعفه لكاثرنا بأضعاف ما عنده فإن المسح على الجوربين أثر عن الصحابة منهم عمر بن الخطاب (1) وعلي وأبي مسعود والبراء وأنس وأبي أمامة وسهل وعمرو بن حريث وابن عباس وابن عمر وابن أبي وقاص وعمار وبلال وابن أبي أوفى والمغيرة وأبي موسى رضي الله عنهم
ومن التابعين عن قتادة وابن المسيب وابن جريج وعطاء والنخعي والحسن وخلاس وابن جبير ونافع رحمهم الله تعالى. وسيأتي إسناد ذلك إليهم فذهاب هؤلاء الأخيار رضي الله عنهم إلى العمل به مما يعضد صحة حديث المغيرة ويقويه ويصححه بلا ريب لأنه إن لم يكن هو سندهم فغيره مما هو في معناه وهذا لا يتوقف فيه من له أدنى مسكة على أن حديث الجوربين قد تلقاه بالقبول أبو حنيفة والشافعية وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود الظاهري وابن حزم وهؤلاء كلهم أئمة الفقه والاجتهاد وجميعهم احتج به في الفقه المدون عنه. وقد عرف في فن مصطلح الحديث (2) أن الحديث يحكم
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 42]
(1) كانت في الأصلين (من الصحابة عن عمر) ولعل الصواب ما ذكرنا. (ز)
(2) تدريب صفحة 15
[42]
¥