أن يلقي اسمع إليه ذلك لأن كثيرا من الناس إذا ذكر له مذهب صحابي في مسألة ما تراه لا يرفع له رأسا اتكاء على أنه ليس ممن لقن العمل به وربما تطاول فقال: إنه ليس ممن دون مذهبه. ولما كان هذا مما لا يستهان به في الدين إذ مثل هذا القول منكر عند الراسخين. وجب إزاحة اللبس فيه إرشادا للمتقين وذلك لأن الصحابة رضوان الله عليهم في المقام الأسنى والمحل الأعلى في كل علم وعمل وفضل ونبل
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في (أعلام الموقعين):
كما أن الصحابة سادة الأمة وأئمتها وقادتها فهم سادات المفتين والعلماء قال مجاهد: العلماء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. ونقل رحمه الله عن الشافعي أنه قال في الصحابة: هم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك به علم وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا. . . إلخ
إذا علمت هذا تبين لك أن ما جاء في (جمع الجوامع) للسبكي من أن في تقليد الصحابي قولين أحدهما المنع لارتفاع الثقة بمذهبه إذ لم يدون وعزو شارحه ذلك لإمام الحرمين الجويني والمحققين (يعني مقلدة الجويني وأتباعه) كلام مجمل لا يغتر بظاهره ويؤخذ من كلام غير واحد من الأئمة رده. بل السبكي نفسه رد ذلك وقال: - كما نقله عنه الزركشي وتراه في حواشيه: إن تحقق
[60]
ثبوت مذهبه (أي الصحابي) جاز تقليده اتفاقا
وقد سئل العز بن عبد السلام (1) عمن صح عنده مذهب أي بكر أو غيره من علماء الصحابة في شيء فهل يعدل إلى غيره أم لا؟ فأجاب بأنه إذا صح عن أحد الصحابة مذهب في حكم من الأحكام فلا يجوز العدول عنه إلا بدليل أوضح من دليله. قال: ولا يجب على المجتهدين تقليد الصحابة في مسائل الخلاف بل لا يحل ذلك في وضوح أدلتهم على أدلة الصحابة. اه
وقال ابن تيمية في بعض فتاويه: وأما أقوال الصحابة فإن انتشرت ولم تنكر في زمانهم فهي حجة عند جماهير العلماء وإن تنازعوا رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء. وإن قال بعضهم قولا ولم يقل بعضهم بخلافه ولم ينتشر فهذا فيه نزاع وجمهور العلماء يحتجون به كأبي حنيفة ومالك وأحمد في المشهور عنه والشافعي في أحد قوله اه
والنصوص في العناية بأقوال الصحابة أوفر من أن تحصر نقول هذا تمهيدا للأقوال المأثورة في المسح على الجوربين في كتاب السنن لأبي داود وغيره فإنها حجة
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 61]
(1) شرح خليل للحطاب جزء (1) ص 31
[61]
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 62]
في هذا الباب على كل من خالف كيفما كان حالها لأنها - على ما فصله ابن تيمية وقرره الأصوليون - إما منتشرة غير منكورة وما كان كذلك فهو حجة باتفاق وإما أنها قال بها بعضهم ولم ينتشر ما يخافه والجمهور يحتجون بذلك. وقد علم أنه ليس ثم مخالف فينتشر قوله إذ لم يرد عنهم فيه إلا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو عملهم به على ما عرفت من روايات متعددة. ومن الجلي في باب الأحكام أن حكما بلغ عدد رواته والقائلين به والعاملين به ستة عشر لو كانوا من طبقة غير الصحابة لما توقف في قبوله فكيف وكلهم من طبقة الصحابة عليهم رحمة الله ورضوانه
هذا كله على فرض أنه لم يرو في الباب - أي باب المسح على الجوربين - إلا قولهم فقط وإلا فقد قدمنا ما روي فيه من الأحاديث التي هي الحجة في هذا الباب والمرد عند التنازع (وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل)
وإنما هذه الجملة ينبغي أن ينتبه لها الذين يأبون إلا التقليد ليعلموا أن من آثر التقليد فالأحرى به تقليد الصحابة لأنهم الأعلم وأجمع الأصوليون على أنه يقدم - في باب التقليد - الأعلم. قال ابن القيم في أعلام الموقعين: فلا يدري ما عذر المقلد في ترجيح أقوال غير الصحابة على أقوالهم فكيف إذا منع الأخذ بقول الصحابة
[62]
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 63]
فكيف إذا صار يرمى بالابتداع من عمل بها؟ لا جرم أنه أخذ بالمثل المشهور: رمتني بدائها وانسلت اه
¥