تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

العليا ويستُرها، وعلى ما ذكره فقد اختُلف فىما إذا شُكَّ هل هذا من الطبقة التي يحل الأكلُ منها أو من غيرها؟ فقيل: يؤكلُ؛ لأن الطعام لا يطرح بالشك، والذي ذكره العلامةُ الأمير خلافه؛ فإنه قال: الحكم عندنا للغالب، والشافعية يقدمون الأصل عليه. اهـ. وناهيك به إمامة وتحقيقًا، مع أن ما قاله هو الاحتياط، وعليه فشرطُ الحلِّ أن يكونَ يقينًا من الطبقة التي يجوز الأكلُ منها، ولا يخفاك الحكم على القول المردود المار.

وعندهم وراء ذلك قول: إنَّ دَمَ السمك بعد موته كالباقي في العروق بعد الذكاة الشرعية؛ فالرطوبةُ المنفصلةُ منه بواسطة الملح بمنزلة غير المسفوح طاهرةٌ لا تنجّس ما تشربها، وبه أخذ الدردير فىما نقله عنه تلميذُه الصاوي أنه/كان يقول: الذي أدين الله به أن الفسيخ طاهر؛ لأنه لا يملح ولا يرضخ إلا بعدَ الموتِ، والدمُ المسفوح لا يحكم بنجاسته إلا بعد خروجه وبعد موت السمك إنْ وُجِدَ فىه دم يكون كالباقي في العروق بعد الذكاة الشرعية، فالرطوبات الخارجة منه بعد ذلك طاهرةٌ لا شك في ذلك. اهـ. لكن أخبرني بعض محققيهم أنَّ الصاوي وإن كان ثقةً إلا أنَّ ما نقله عن أستاذه لا يُوجَد في شيء من كتبه، وأن معتمدَ مذهبهم ما مرَّ عن العلامة الأمير، فانظر لدينك وتذكر قوله ?: ((أيُّ لحمٍ نَبَتَ مِن حرامٍ فالنارُ أوْلَى به)) (1). وإلا فانظر لبدنك فقد قدمنا الإشارةَ إلى ضرره وأنه يورثُ الأسقام.

وأما بطارخ الفسيخ فالمعتمدُ عندنا فىها الحِلُّ؛ لأن غلافَها ولو رقيقًا يمنع عندنا الصديدَ والدم، كما نقله العلامةُ السِّجَاعي عن الشَّمْسِ الحفْني عن الشّمسِ الرملي، وهو مذهبُ المالكية أيضًا، كما نص عليه العلامة الأمير، وما أظنك رأيت مسألة السمك بأطرافها مجموعةً هكذا في كتاب، فلله الحمد. اهـ. كلام الحلواني.

وتقدم النصُّ عن أكابرِ المالكية بحرمة أكل الفسيخ، فكلُّ ما خالفه فهو باطلٌ، ومنه ما ذكره الصاوي على فرض صحته، ودعوى أن دم السمك المذكورَ كالدم الباقي في العروق مردودةٌ كما تقدم النص عليه أيضًا، وكُتُبُ العلَّامَةِ الدردير ليس فيها ما يدل على حِلِّ أكل الفسيخ؛ لا إشارةً ولا تلويحًا، بل ما فيها ناطقٌ بتحريم أكل الفسيخ؛ لأنه داخل في مسألة نجاسة الدّم المسفوح، وعلى فرض أنه قرر في درسه خلافَ ذلك فهو محمولٌ على السمك الذي قُطِّع وسالَ منه دمُه، ثم غُسِلَ وجُفِّف، ثم وُضِع عليه الملحُ، ولم يسل منه دم، وإلا فحاشاه أن يقول بحلِّ الفسيخ المتداول بين الناس الذي ليس بهذه الصفة، وبذلك تزدادُ علمًا بخطأ كثير ممن ينسُبون أنفسهم للعلم ولمذهب المالكية، حيث يأكلون الفسيخ ويُفْتون بحله؛ ميلًا لما تهواه نفوسهم، ويُروِّجُون ذلك بدعوى أن الشيخ الدردير قائلٌ بحلِّه غرورًا بما ذُكر في حاشية الشيخ الصاوي الذي علمت ما فيه، ولا يخفى علىِ من له دينٌ يحافظ عليه قوله ?: ((إنّ الحلالَ بيّنٌ وإنَّ الحرامَ/ بَيّنٌ وبينهما أُمورٌ مُشتبهاتٌ لا يَعلمُهن كثيرٌ مِن الناسِ، فمَن اتّقى الشُّبهاتِ فقد استبرأَ لدينِه وعِرْضِه، ومَن وقعَ في الشبهاتِ وقعَ في الحرامِ، كالرَّاعي يَرعى حولَ الحِمى يُوشِكُ أنْ يقعَ فيه، ألا وإنَّ لكلِّ مَلكٍ حِمًى، ألا وإنَّ حِمى الله محارمُه)) ().

ومن نُصُوص السادة الحنفية ما ذكره الطحطاوي في حاشيته على مراقي الفلاح حيث قال:

تنبيه: قال في النهاية: الاستحالةُ إلى فسادٍ لا توجب نجاسةً فإن سائر الأطعمة تفسُد بطول المكْثِ ولا تنجس. اهـ. لكن يحرم الأكلُ في هذه الحالة للإيذاءِ لا للنجاسة كاللحْمِ إذا أنتن يحرمُ أكلهُ ولا يصيرُ نجسًا، بخلاف السمْن واللبن والدهن والزيت إذا أنتن، وكذا الأشربة لا تحرم بالتغير، كذا في البحر، ويتفرعُ على حرمة أكل اللحم إذا أنتن- للإيذاء لا للنجاسة- حرمةُ أكلِ الفسيخ المعروف في الديار المصرية لما ذُكِرَ، ولم أره صريحًا.

وفي تذكرة الحكيم داود عند ذكر السَّمك قال: والمقدَّدُ الشهيرُ بالفسيخ رديءٌ يولِّدُ السُّدد والقُولَنْج () والحصا والبلغم الجصى، وربما أوقع في الحمِّيات الربعية والسل ويُهزِل. اهـ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير