وكذلك أيضاً أجاز العلماء بعض المنافع للمقرض فقالوا: لا بأس أن يقرض الشخص فلاحه دراهم، لكي يقوم الفلاح بشراء الآلات والبذور ويعمل في أرض المقرض، فأنت مثلاً ساقيت زيداً من الناس أو زارعته على أن يعمل في أرضك ولم يكن معه دراهم، فلا بأس أن تقرضه ويقوم بالعمل في أرضك، مع أنك تستفيد الآن، أو مثلاً تقرضه ويقوم بالعمل في بيتك فأنت الآن تستفيد، فهذا القرض أجازه العلماء رحمهم الله.
وأيضاً قال شيخ الإسلام: لا بأس أن يقول للفلاح اعمل معي وأعمل معك، اعمل معي اليوم في حصاد الزرع أو جذاذ النخل، وأنا أعمل معك غداً في حصاد الزرع أو جذاذ النخل.
تناول الشيخ في الجزء السابق من الموضوع تعريف جمعية الموظفين وصورها وأحكامها، وهاهو في هذا الجزء الأخير يستكمل مناقشة الأدلة ثم يختم بخلاصة جامعة حول الموضوع
إدارة الموقع
ضبط المنفعة المحرمة بسبب القرض:
بناء على ما سبق فالمنفعة التي تكون محرمة إذا أفادها المقرض هي ما شمل أمرين:
الأمر الأول: ما يشترطه المقرض على المقترض وليس له مقابل سوى القرض.
مثلاً يقول: أقرضك ألفا بشرط أن تعطيني سيارتك أستعملها لمدة يوم أو يومين هنا الآن منفعة محرمة، فالمقرض استفاد أنه ينتفع بهذه السيارة، والمقترض لم يستفد شيئاً، استفاد القرض والقرض سيرده.
في الجمعية لا يوجد هذا، فالمقرض ينتفع والمقترض ينتفع، فكل منهما ينتفع.
أما هنا إذا قال: بشرط أن تبيع عليّ دارك، أو بشرط أن تعطيني زيادة مائة ريال، أو بشرط أن تعطيني هدية، هذا داخل في المنفعة المحرمة في القرض.
ويدل لهذا أيضاً قول النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع)).
هنا سلف وبيع، يقول: أقرضك بشرط أن تبيعني، فهنا الانتفاع حصل للمقرض، وأما المقترض لم يحصل له إلا القرض والقرض سيرده.
الأمر الثاني: ما يقدمه المقترض للمقرض بسبب القرض، وهذا يدل له أثر عبد الله بن سلام رضي الله عنه.
مثلاً: أعطيت زيداً من الناس ألف ريال قرضاً وبعد يوم أو يومين جاء لك بهدية، فلا يجوز لك أن تقبل هذه الهدية فإنه إنما أعطاك هذه الهدية لأجل قرضك، ولهذا يقول العلماء: إذا كان بينهما مهاداة كأن تسلف قريبك مائة ألف ريال أو صديقك، وبينكما مهاداة تعطيه ويعطيك هذا ليس داخلاً في النهي، لكن إذا عرفنا أن هذه الهدية إنما أعطاك إياها المقترض من أجل القرض فهذه المنفعة المحرمة في القرض.
فكونك تقرضه ألفاً ثم يعطيك كتاباً هدية هذا لا يجوز لك أن تقبله كما ورد عن عبد الله بن سلام- رضي الله عنه- لا يجوز إلا إذا أردت أن تكافئه أو تخصم ذلك من القرض، يعني تقبل الكتاب ثم تخصم قيمته من القرض.
فائدة: في الهدية بسبب القرض:
الهدية في القرض قسمها العلماء رحمهم الله إلى:
1– أن يكون ذلك بعد الوفاء، فهذا لا بأس به بل استحبه بعض العلماء. فزيد أقرضك ألف ريال، وعند الوفاء أعطيته ألف ومائة ريال، أو ألفاً وثوباً هدية له، مقابل لمعروفة وإحسانه، فإن هذا لا بأس به لأن العقد انتهى الآن، والنبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: ((خيركم أحسنكم قضاء)).
واستقرض النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- بكراً ورد خيراً منه رباعياً.
والصواب: أيضاً أنه لا فرق سواء كانت الزيادة في الكيفية أو كانت الزيادة في الكمية، لأن بعض العلماء يجوز الكيفية ولا يجوز الكمية. يعني أقرضك براً متوسطاً فتعطيه براً جيداً، يقول: هذا جائز، لكن في الكمية؛ أعطاك ألف ريال ما تعطيه ألفاً ومائة.
والصواب أن هذا كله جائز ما دام أنه بعد الوفاء.
فالهدية ما دامت بعد الوفاء فإنها جائزة ما دام أنها ليست مشروطة.
2– أن تكون قبل الوفاء، يعني أعطاك كتاباً، فإذا كان ذلك بسبب القرض فلابد أن تمتنع أو تحسب ذلك من القرض أو تكافئه.
أما إذا كانت الهدية بغير سبب القرض، كأن تكون بينكما مهاداة لقرابة أو صداقة ونحو ذلك فإن هذا لا بأس به.
وأيضاً أدخل بعض العلماء الدعوات العامة كدعوات الزواج أو مناسبة عامة، فهذه الدعوة ليست بسبب القرض وإنما حصلت هذه المناسبة فدعاك، لم يعمل لك طعاما خاصا بسبب القرض.
الخلاصة:
المهم أنه يتلخص لنا أن المنفعة المحرمة بسبب القرض هي ما اشتملت على هذين الضابطين، وحينئذ نعرف أن المنفعة التي تحصل للمقرض في مسألة الجمعية هذه ليست داخلة فكل منهما ينتفع.
¥