ولهذا العلماء رحمهم الله – كما ذكرت – يقولون: إنه إذا أهداه يقابله بالهدية، فيكون الانتفاع لكل منهما.
1– قالوا: هذا من قبيل بيعتان في بيعة الذي نهى عنه النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم-.
واختلف شراح الحديث كثيراً في بيان ما المراد بالبيعتين في بيعة الذي نهى عنه النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- على أقوال، وذكر بعض شراح الحديث ما يقرب من ثمانية أقوال وأبرز هذه الأقوال كما تقدم لنا في بيوع التقسيط:
أ– الحلول والأجل: يعني أن يقول: بعتك السلعة حالة بكذا وكذا أو مؤجلة بكذا.
ب– الأجلان: بأن يقول: بعتك السلعة بكذا مؤجلة إلى شهر مثلاً أو بكذا مؤجلة إلى شهرين.
ج- اشتراط عقد في عقد: وهذا هو المشهور في مذهب الإمام أحمد، بأن يقول: بعتك السيارة بشرط أن تؤجرني بيتك أو بشرط أن تبيعني بيتك ونحو ذلك، وهذا سيأتي بحثه عند عقد الإجراة المنتهي بالتمليك.
د– ما ذهب إليه ابن القيم: أنه بيع العينة، وأن السنة يفسر بعضها بعضاً، فقول النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع))، المراد بذلك بيع العينة.
وكذلك أيضاً قول النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- كما في حديث أبي هريرة أن النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم-: ((نهى عن بيعتين في بيعة)) المراد بذلك بيع العينة، وهو أن يبيع السلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها بأقل من ثمنها نقداً، فيبيع السيارة مثلا بمائة ألف ريال مؤجلة ثم بعد ذلك يشتريها بأقل من ثمنها نقداً، فقالوا بأن هذا هو بيعتان في بيعة الذي نهى عنه النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم-، وقد أطال ابن القيم- رحمه الله- في تقريره وقال بأن السنة يفسر بعضها بعضاً، فهذه هي التي يوجد فيها المحذور، وأنها دراهم بدراهم بينهما حريرة كما قال ابن عباس- رضي الله عنهما-، فالشرطان اللذان نهى عنهما النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- هما الشرطان في بيع العينة، والبيعتان اللتان نهي عنهما النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- هما البيعتان في بيع العينة، لأنه في بيع العينة يبيع السيارة مؤجلة ثم يشتريها نقداً فهاتان بيعتان؛ بيعة التأجيل وبيعة النقد، وهذا القول هو الأقرب، وعلى هذا فالتفاسير السابقة لا تكون داخلة تحت حديث: ((ولا شرطان في بيع)).
وكذلك أيضاً لا تكون داخلة تحت حديث: ((ولا بيعتان في بيعة)).
2– قالوا: هذه الجمعية فيها شيء من المخاطر فقد يموت أحد أعضاء هذه الجمعية وقد يفصل من عمله، وقد ينقل إلى بلد آخر فيضيع على أصحاب الحقوق حقوقهم، فينهى عنها من أجل هذه المخاطر.
والجواب عن هذا سهل؛ فيقال: إن المصالح المترتبة على هذه الجمعية أكثر من المخاطر المترتبة عليها، وقد تقدم لنا بيان شيء من ذلك في ضابط سد الذرائع.
وكذلك أيضاً مثل هذه المخاطر توجد حتى في المعاملات المباحة، فما من معاملة من المعاملات المباحة إلا وفيها شيء من المخاطر، فحتى القرض المعتاد فيه شيء من المخاطر، فكون زيد يقرض عمراً فيه شيء من المخاطرة، فعمرو المقترض قد يموت وقد يعسر ولا يتمكن زيد من حقه، فهذه المخاطر المنغمرة في المصالح الأخرى المرتبة على المعاملة هذه لا تعلق عليها الأحكام، ولا ينظر إليها الشارع.
حكم الصورة الثانية:
وهي– كما تقدم– أن يشرط ألا ينسحب أحد حتى تدور الدورة، فالذين يجوزون الصورة الأولى مثل الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله- والشيخ عبد الله بن جبرين، يجوزون أيضاً الصورة الثانية، لأن المحذور كما أنه منتف في الصورة الأولى أيضاً منتف في الصورة الثانية، فالمنفعة التي يستفيدها المقرض أيضاً يستفيدها المقترض في هذه الدورة فهي منفعة متبادلة كما سبق.
حكم الصورة الثالثة:
وهي أن يشترط أن يكون هناك أكثر من دورة، يعني تدور الجمعية لمدة سنتين أو ثلاث سنوات، أيضاً الشيخ محمد بن عثيمين- رحمه الله- يرى جواز مثل هذه الصورة.
وذهب بعض الباحثين إلى التفريق بين الصورة الأولى والثانية، ففي الصورة الأولى والثانية تجوز، وأما الصورة الثالثة إذا اشترطوا أن تكون دورة ثانية وثالثة فلا تجوز، مع أنه أجاز الصورة الأولى والثانية لما في ذلك من المنفعة التي تكون داخلة في نفع المقرض الذي نهي عنه.
وتقدم أن أشرنا إلى المنفعة التي تكون محرمة في باب القرض وأنها تشتمل على أمرين:
¥