تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن قيل: مباح أفضى إلى جواز الموسيقى حتى يعلم أن مصدرها الآلات المخصوصة، فينتهي الأمر إلى سماع الموسيقى إلا للمتخصص الذي له قدرة على تمييز الأصوات.

ثم إن هذا سيفتح الباب لتجار الفن والموسيقى في ترويج أنواع الموسيقى زاعمين أنها أصوات بشرية، فما الضابط؟؟ أم سيشترط أن يشهد مسلمين عدلين من أهل الاختصاص أنها أصوات غير موسيقية؟؟!

وإن قيل: بل يحرم سماعها حتى يعلم أنها أصوات بشرية فهذا تحكم مخالفٌ للأصل وهو الإباحة.

فوجب المنع منها سداً للذريعة.

وأما أدلة القول بالجواز، فهي مايلي:

الدليل الأول:

أن الأصل الجواز والإباحة، ولا ينتقل عنه إلا بدليل، وأدلة التحريم لا تسلم من مناقشة فوجب استصحاب الأصل والبقاء على عليه حتى يصح الدليل الناقل، وهذا ما يسمى عند الأصوليين بـ"الاستصحاب".

ويناقش: بأن الأدلة السابقة تكفي للانتقال عن هذا الأصل، وأما ما ورد على بعضها من المناقشة فكثير منها غير مسلّم وعلى فرض التسليم ببعضه فيبقى البعض الآخر سالماً من المعارض الراجح.

الدليل الثاني:

أن تحسين الصوت البشري لا يوجب تحريمه ولو فاق أصوات الآلات في الحسن وهذه الأصوات إنما هي أصوات بشرية محسنة فلا وجه لمنعها، وقد قال أبو عثمان النهدي:”دخلت دار أبي موسى الأشعري فما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا ناي أحسن من صوته ” قال ابن حجر: والصنج هو آلة تتخذ من نحاس كالطبقين يضرب أحدهما بالآخر، والبربط آلة تشبه العود، والناي هو المزمار.

ويناقش: بأن هذا مسلّم في تحسين الصوت بغير آلات أو على وجه لا يماثل المعازف المحرمة، ثم ليس مراد أبي عثمان أن صوت أبي موسى مماثل أو مشابه لأصوات تلك الآلات بل هو تشبيه لجمال الصوت وحسنه، وهذا جلي فإنه لايمكن أن يشتبه على ذي سمع تلاوة أبي موسى للقرآن بأصوات المعازف ألبتة.

الدليل الثالث:

أن الشرع قد يبيح صوتاً ويحرم صوتاً مماثلاً له لاختلاف مصدرهما كما في صوت تغنج الزوجة وتكسرها بالكلام وصوت الأجنبية في ذلك فإن الأول مباح والثاني محرم ولو كان صوت الأجنبية مماثل 100% لصوت الزوجة، فكذلك في مسألتنا يفرَّق بين الصوتين لاختلاف مصدرهما فالشرع نهى عن المعازف ولم ينهَ عن صوت الآدمي فيبقى صوت الآدمي جائزاً ولو تماثل مع المعازف في الصوت لاختلاف المصدر.

ويناقش: بأن منع سماع صوت الأجنبية على تلك الصفة إنما هو من باب منع الوسائل المفضية إلى الزنا، ولما كانت الزوجة حلالاً له انتفت العلة التي من أجلها منع من ذلك الصوت، وليس ذلك لاختلاف مصدر الصوت فإنه لو طلّق زوجته وبانت منه حرم عليه ذلك منها مع أن المصدر واحد، بخلاف مسألتنا، وقد سبق بيان هذا.

ومن وجهٍ آخر فإن استخدام الأجهزة والبرامج الحديثة على هذا الوجه يجعلها داخلة في عموم "المعازف" كما سبق بيانه.

الدليل الرابع:

أن الشيئين قد يتماثلان في الصورة والشكل ويختلفان في الحكم فيحرم أحدهما ويباح الآخر إبقاء له على الأصل، ومن صور ذلك: يحرم على الرجال لبس الحرير الطبيعي للنهي عنه، ويباح لهم لبس الحرير الصناعي ولو كان ملمسه كالطبيعي فلم يوجب اتفاقهما في الصورة والشكل اتفاقهما في الحكم.

ويناقش: بأن معنى الحرير المنهي عنه هو حرير دودة القز، أما ما يسمى بالحرير الصناعي فليس حرير في اللغة ولا في الشرع وتسميته "حرير" تجوز، أما المعازف المنهي عنها فهي "جميع آلات اللهو بلا خلاف بين أهل اللغة" وآلات اللهو مهما تطورت داخلة في عموم "المعازف" ومن آلات اللهو تلك البرامج التي تستخدم لإيجاد الأصوات الموسيقية عند استخدامها على هذا الوجه.

الدليل الخامس:

أن هذه الأصوات لاتدخل في "المعازف" لغة ولاعرفاً فلا تدخل في الحرام.

ويناقش: بأن هذه الأصوات خرجت باستخدام الأجهزة والبرامج الحديثة واستخدامها على هذا الوجه يجعلها داخلة في عموم "المعازف" كما سبق بيانه.

الدليل السادس:

أن في استخدام هذه الأصوات مصالح متعددة: ففيها مندوحة عن استخدام المعازف المحرمة، وفيها إبعاد للناس عن المحرم الظاهر "المعازف"، وفيه غنية لمن ابتلي بسماع المعازف، وإيجاد البدائل الشرعية عن المحرمات مطلوب شرعاً.

ويناقش: بأن هذا إنما يسلم إذا قيل بجواز هذه الأصوات وقد سبقت الأدلة الدلة على تحريمها، والبديل الذي يشرع إيجاده هو البديل المباح لا البديل المحرم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير