تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الإسلام قال بالملِلكية، وأعلنها وجعلها حقا من حق المكتسِب. ولكنها – هيهات – هي ملكية وليست كبقية الملكيات عن المذاهب الأخرى: الشيوعية وفروعها، والرأسمالية وفروعها.

الشيوعية ألغت ملكية الفرد، فصادرت الفرد حقوقه، وأخذت المال لنفسها بتسليطها لجواسيسها، لسلطانها، لكي تعيش أبدا متسلطة حاكمة، وليس للشعب إلا أن يعمل مشغولا ببطنه، مشغوفا بظهره، في يومه يفكر في بطنه، وفي ليله يفكر في ظهره، ولم تعط له مجالا يفكر في شيء آخر سوى ذلك.

الرأسمالية احتكرت الأموال، المعادن، المصافي، المعامل، اليد الواحدة، بنفوذ، بسلطان، بحكم، بقوة، بتكتل، بحيل. فكانت النتيجة: افتقر الشعب عند الشيوعية وذل. وافتقر الشعب عند الرأسمالية وذلوا. إنما هي حيل وأسماء لإذلال الشعوب وبقاء الحروب بين الناس.

الإسلام قال بالملكية، ولكن: الملكية في الإسلام ليست كباقي الملكيات، هي ملكية مقيدة مفسرة، مقيدة لا يصح للممتلك أن يملك إلا ما أذنت له به الشريعة الإسلامية بكسب الحلال. بالعرق الحلال، بالعمل الصحيح المقبول، وبأداء الحقوق مع كل ذلك.

مال تجمع بالربا، تجمع باستغلال النفوذ والسلطان، تجمع عن طريق الحرام، عن طريق الفساد، عما لم يسمح به الشارع والشريعة؛ مال يعتبر في حكم اللاغي، لا يعترف بالملك لصاحبه، ويبقى ملكا للأمة يصادر على أنه حق رجع، وعلى أنه في الأصل مال غصب؛ فيجب أن يرجع لبيت المال.

مال أثرى صاحبه بواسطة البنوك، مال حرام فاسد، لا يعترف بالمالك وملكيته أبدا، مال تجمع بواسطة النفوذ والحكم والسلطان لا يعتبر مالا ولا ملكا، ولا يعترف لصاحبه بحال من الأحوال.

مال أخذ بالتحايل على الناس، على غير وجه الحق الذي شرعه الإسلام، لا يعتبر مُحَلَّقا ولا حقا قائما، وللسلطان المسلم الحاكم أن يضع يده عليه، ويضمه لبيت مال المسلمين على أنه مال مغصوب أخذ من الناس بغير حق.

مشترك، يملك الرجل والمرأة والطفل كل منهم مالا باسمه، يسجل باسمه، ولكن هذا المال – مع ذلك – تشترك فيه زوجته، يشترك فيه أقاربه الأدنون المحتاجون، إن كان له من المال فضل، فإن حاول أن يتلاعب بهذا المال ويصرفه مبذرا مسرفا، بما يضيع حق الأهل، حق الولد، حق الأقارب؛ جاء الشارع وضرب على يده وحجر يده بالمال. فكل المذاهب الإسلامية فيها أبواب قائمة تسمى "الحَجرْ".

ولم الحجْر؟. يحجر على يده: يبنى بينه وبين التصرف سور من حجارة لا تصل إلى المال يده بالتصرف بما شاءت من هوى ونزوة.

لم ذلك؟. لأن المال – وإن كان باسمه، وإن كان مسجلا باسمه – هو مال تشترك فيه زوجته، يشترك فيه أولاده، يشترك فيه أقاربه، وبالتالي يشترك فيه المجتمع لحق الزكاة، ولحق النفقات ولحق الفقير والمسكين.

المال في الإسلام هو – في الأصل – مال الله، ويد الناس فيه مستخلفة: {وجعلكم مستخلفين فيه}، {وما كان لله فهو للناس}، هو مال المجتمع، يوظف وظيفة لمصلحة الناس، ولتداول العملة ليستغني المحتاج، ويكتفي الفقير.

ومن أجل ذلك كان هذا المال مقيدا غير مطلق، مشتركا غير مفرد، فهو يملكه من حِله، ويصرفه في حله، ويشرُكه فيه زوجته وأولاده، والأقربون والمجتمع.

مال تجمع من حلال، ولكن صاحبه لم يعط حق الله فيه ما لم يعط زكاته، لم يعط حقه، تتجمع هذه الزكاة ولو مضت عليها السنوات، ولا بد من أخذ هذا المال جبرا، "وإنا آخذوه عزمة من عزمات ربنا".

من أعطى المال، من أعطى الزكاة طيبة به نفسه، فذاك، وإلا أجبر جبرا، وغُلب على ذلك قهرا وغلابا، ولا كرامة.

يحاسب حيا وميتا في زكاة الناس، زكاة الفقراء، يحسب في ماله ما أصبح مالا للفقراء، يجمع في ماله، يؤخذ من ماله، وعند أخذه يحسب المال، ونتابع المال وما نتج عن المال الذي لم يبق ملكه.

ولقد وصف الله المؤمنين: {والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم}، هذا المال الذي في ماله حق للمحتاجين من الفقراء والمساكين، والذين سمى الله: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين ... }، اللام قال المفسرون: لام الملك، أي: المال الذي ملكه الله للمحتاجين إليه، للفقراء والمحتاجين، فالمال في الشريعة الإسلامية يملك بقيد، يملك على أنه مشترك، يملك على أن تؤدى فيه الحقوق؛ حقوق الفقراء والمحتاجين، حقوق النفقات على الزوجة، والولد والأقارب.

المال في الإسلام حرص الشارع أن لا يكون دُولة بين الأغنياء، أن لا تنفرد بامتلاكه يد، ويبقى المسلمون الباقون صفر الأيدي محتاجين وقد تجمع المال في يد واحد، أو أيد من الناس بواسطة الحكم والسُلط والحيل، وأنواع السلط على الناس: سلط الحكم، أو سلط جاه، أو سلط حيل، كي لا يكون دولة بين الناس.

فتته الشارع بالتركات، بالنفقات، بالمصاريف الخاصة والعامة، مهما تجمع بالأيدي عن حلال، لا يكاد يمضي عليه جيل أو جيلان حتى يتفتت، حتى يتمزق، حتى يصبح وقد انتقل من يد واحدة إلى أيد كثيرة. هذا إن كان الدخل في الأصل دخل حلال لا حرام، أما إن كان الدخل دخل حرام؛ لا يعتبر ملكا شرعيا، ولا يعترف به لصاحبه.

-يتبع-

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير