عمر بن الخطاب الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تمسكوا بسنتي وسنة الخليفتين الراشدين من بعدي: أبي بكر وعمر"، فأصبحت سنة عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعمر بن الخطاب الذي قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام: "تمسكوا بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ"، دخل مرة ثانية في الخلفاء الراشدين، وكان ثانيهم، فأصبحت سنته سنة نبوية للرسول عليه الصلاة والسلام.
عمر الذي قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه".
فاتهامه بأنه خرج عن الإسلام، أو خالف الإسلام؛ هذه جريمة كبيرة جدا. عمر الخليفة عن النبي، مسؤول، أمره أمر، وحكمه حكم، وطاعته واجبة، والمخالف لذلك يقتل بسيف الإسلام ولا كرامة، كان بلالا أو غير بلال.
بلال مع الرضا عنه وحبنا له وإجلالنا له، عمر شيء وبلال شيء آخر، عمر الخليفة المسؤول أمير المؤمنين المسؤول، المسؤول عن الإسلام عقيدة ونظاما ودولة. صحيح أن بلال اجتهد وهو مأجور على اجتهاده، لكن كان مجتهدا مخطئا.
بلال كاد بمعارضته الشديدة وتهديده بالسلاح أن يشق عصا الإسلام ومجد الإسلام، ولذلك التجأ عمر إلى الله واستجأر: "اللهم اكفني بلالا"، فاستجاب الله له، وما حصل شيء، مات بلال بعمره، ولحقه عمر عند الوقت المحدد له لوفاته، ولم يحصل شيء.
وبلال لم يتهمه عمر – ومعاذ الله أن نتهمه نحن، ولكن بلالا اجتهاده أعطاه على أن الأرض حق له يجب أن يأخذها، ولم يتهم عمر بأنه أراد أن يغصبه حقه، لأن عمر لم يأخذها لنفسه، ولم يرد تموله لأولاده، ولا بقاءها في سلالته أو حزبه، إن حزبه إلا الإسلام.
ولكن عمر تكلم باسم الله، وباسم كتاب الله، من حديث رسول الله، وما قلته، وهو معجر من معجزات الرسول كما نص على ذلك ابن تيمية والنووي، الحديث عن أبي هريرة في صحيح مسلم، وعن أبي داود في "السنن"، وعن النسائي، ورواه أبو هريرة وجابر، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "منعت العراق درهمها وقفزها، ومنعت الشام قُدْيها ودينارها، ومنعت مصر أردبها ودينارها، وعدتم كما بدأتم، وعدتم كما بدأتم، وعدتم كما بدأتم". شهد على هذا لحم أبي هريرة ودمه: "سمعت هذا أذناي عن رسول الله فإن كنت كاذبا فعلي لعنته"، وصدقه بذلك جابر، وروى من سمع.
هذا الحديث معجزة من معجزات الرسول، ودليل واضح من أدلة عمر الذي ألهم الحق والصواب قبل أن ينتبه للدليل عندما قال ذلك.
في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت العراق لا تزال تحت الفرس، والشام لا تزال تحت الروم، ومصر لا تزال تحت القبط، والإسلام مقصورا على بعض جزيرة العرب، والرسول تحدث بما سيكون، وبما سيؤول إليه الحال كما بلغنا بكل شيء عندما قال: منعت العراق .. ومنعت الشام .. ومنعت مصر .. إشارة لماذا؟. إلى أن الشام ستفتح، ومصر ستفتح، والعراق ستفتح، وسيعطي من يبقى على دينه الجزية دنانير ودراهم، والخراج أمدادا وأقفزة وإردبات.
لأن الإشارة إل القفيز، وهو أحد مكاييل العراق، والمد، أو المدي؛ وهو عبارة عن عشرين من أحد مكاييل الشام، والإردب: أحد مكاييل مصر.
هذه المكاييل عندما يعطونه الخراج، خراج أرضهم التي فتحها الإسلام سيفا وغلابا، وعلى أن الأرض ستخضع للمسلمين، تؤدي الجزية عن الأعناق، ويؤدى الخراج عن الأرض.
وهذا الذي حدث؛ فتح عمر – لا غير – مصر والشام والعراق، وضرب الجزية على أهل الذمة، وضرب الخراج على الأرض، وأصبح الكل يؤدي ذلك كما أخبر رسول الله.
ومضى زمان تنازع المسلمون على المناصب، وتقاتلوا على المناصب، وذلوا للنزاع، وصدق الله تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}، فذهب القوة، وذهب الريح بالنزاع، وحدث كما قال الرسول: "منعت العراق درهمها وقفيزها، والشام مددها ودينارها، ومصر إردبها ودينارها، وعدتم كما بدأتم". امنع أهل الذمة عن أداء الجزية، وأهل الخراج امتلكوا الأرض وتسلطوا عليها، ومنعوا أن يعطوا الخراج، ورجعت البلاد لحكم الكفر، ولتسلط الكفر، ولظلم الحكام، ولجور الأغنياء. وهذا ما حدث منذ زمان.
¥