(فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله أما المتأخرون فقد اصطلحوا على الكراهة تخصيص بما ليس بمحرم وتركه أرجح من فعله)
و بين استعمال هذا اللفظ في كلام الله عز و جل و كلام رسوله صلى الله عليه و سلم في موضع آخر فقال
بدائع الفوائد [جزء 4 - صفحة 812]
(وأما لفظة يكرهه الله تعالى ورسوله أو مكروه فأكثر ما تستعمل في المحرم وقد يستعمل في كراهة التنزيه)
فبالجمع بين الكلامين نعلم أنه يقول أن السلف أكثر ما كانوا يستعملون لفظ الكراهة للتحريم و أنهم قد يستعملونها للتنزيه، و قد أشار أخونا الكريم المالكي إلى أن من تتبع كلام الأئمة تبين له ذلك بوضوح.
أما تعليق أخينا الشمري على كراهة الإمام مالك للجهر بالبسملة فأقول
قال ابن القيم رحمه الله عند كلامه على مسألة أخرى
أحكام أهل الذمة [جزء 1 - صفحة 533]
(وذهب مالك إلى الكراهة وهي عنده مرتبة بين الحظر والإباحة)
وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى
مجموع الفتاوى [جزء 22 - صفحة 274]
(وأما البسملة فلا ريب أنه كان فى الصحابة من يجهر بها وفيهم من كان لا يجهر بها بل يقرؤها سرا أو لا يقرؤها والذين كانوا يجهرون بها أكثرهم كان يجهر بها تارة ويخافت بها أخرى وهذا لأن الذكر قد تكون السنة المخافتة به ويجهر به لمصلحة راجحة مثل تعليم المأمومين فإنه قد ثبت فى الصحيح أن إبن عباس قد جهر بالفاتحة على الجنازة ليعلمهم أنها سنة)
أما حمل كراهة مالك رحمه الله على كون الجهر بالبسملة بدعة فيقول ابن تيمية
مجموع الفتاوى [جزء 20 - صفحة 196]
(فصل
قاعدة شرعية: شرع الله ورسوله للعمل بوصف العموم والإطلاق لا يقتضي أن يكون مشروعا بوصف الخصوص والتقييد فإن العام والمطلق لا يدل على ما يختص بعض أفراده ويقيد بعضها فلا يقتضي أن يكون ذلك الخصوص والتقييد مشروعا ولا مأمورا به فإن كان فى الأدلة ما يكره ذلك الخصوص والتقييد كره وإن كان فيها ما يقتضي استحبابه استحب وإلا بقي غير مستحب ولا مكروه ... وإن دلت أدلة الشرع على كراهة ذلك كان مكروها مثل اتخاذ ما ليس بمسنون سنة دائمة فان المداومة فى الجماعات على غير السنن المشروعة بدعة كالأذان فى العيدين والقنوت فى الصلوات الخمس والدعاء المجتمع عليه أدبار الصلوات الخمس أو البردين منها والتعريف المداوم عليه فى الأمصار والمداومة على الاجتماع لصلاة تطوع أو قراءة أو ذكر كل ليلة ونحو ذلك فإن مضاهاة غير المسنون بالمسنون بدعة مكروهة كما دل عليه الكتاب والسنة والآثار والقياس
وإن لم يكن فى الخصوص أمر ولا نهي بقي على وصف الإطلاق كفعلها أحيانا على غير وجه المداومة مثل التعريف أحيانا كما فعلت الصحابة والاجتماع أحيانا لمن يقرأ لهم أو على ذكر أو دعاء والجهر ببعض الأذكار فى الصلاة كما جهر عمر بالاستفتاح وابن عباس بقراءة الفاتحة وكذلك الجهر بالبسملة أحيانا
وبعض هذا القسم ملحق بالأول فيكون الخصوص مأمورا به كالقنوت فى النوازل وبعضها ينفى مطلقا ففعل الطاعة المأمور بها مطلقا حسن وإيجاب ما ليس فيه سنة مكروه
وهذه القاعدة اذا جمعت نظائرها نفعت وتميز بها ما هو البدع من العبادات التى يشرع جنسها من الصلاة والذكر والقراءة وأنها قد تميز بوصف اختصاص تبقى مكروهة لأجله أو محرمة كصوم يومي العيدين والصلاة في أوقات النهي.)
و أكتفي الآن بهذه النقول دون تعليق اعتماداً على فطنة الأخوة الأفاضل لضيق وقتي، و عسى أن تكون لي وقفة متأنية قريباً إن شاء الله.
ـ[أبو المنهال الأبيضي]ــــــــ[01 - 03 - 06, 02:36 م]ـ
ويُنظر للفائدة: تحذير الساجد، للعلامة الألباني (ص 35 - 37).
ـ[ضياء الشميري]ــــــــ[02 - 03 - 06, 01:31 م]ـ
بارك الله فيكم جميعا .. وجزاكم الله خيرا ..
لكن كنت أود منكم أن تتقبلوا سؤالي بصدر رحب وخاصة مايتعلق في صلب الموضوع ..
فمازلت اقول أين موضع الكراهة التي هي بمعنى التنزيه عند السلف؟
ـ[أبو البراء الكناني]ــــــــ[03 - 03 - 06, 01:26 ص]ـ
الأخ الفاضل الشميري حفظه الله ... و فيك بارك الله أخي الكريم
أما أنا أيها الحبيب فلم أتلقَ كلامك بضيق صدر فإن بدا من كلامي غير ذلك فأستغفر الله و أتوب إليه و أرجو منك المعذرة.
¥