تستعمل في المحرم وقد يستعمل في كراهة التنزيه " و فرق بين هذه العبارة و بين قوله بعدها " وأما لفظة ما يكون لك وما يكون لنا فاطرد استعمالها في المحرم نحو ما يكون لك أن تتكبر فيها وما يكون لنا أن نعود فيها ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ".
4. قال الشارح بعد ذلك " ولهذا ينبغي التوقي؛ لأن العلماء القدامى إذا عبروا بالمكروه أنه لا يفسر في كلامهم - بالمعنى الاصطلاحي- عند الأصوليين إلا إذا وجد أدلة تدل على ذلك؛ " فهذا يعني أنهم كانوا يعرفون المكروه الذي هو للتنزيه و لكن لحمل كلامهم عليه لا بد من قرينة و أنا أخي الكريم لا أقول بخلاف ذلك، و هذا الكلام من الشارح إما أن يكون مناقضاً لكلامه السابق و إما أن يكون شرحاً له ـ وهو الأقرب ـ فعندها تكون عبارته " لا يعرفون المكروه بمعنى كراهة التنزيه " غير مرادة حرفياً بل خرجت بنوع من التساهل و هذا يقع كثيراً في الدروس.
و بقيت لي ملاحظات أعدها منهجية آمل أن تجد آذاناً صاغية:
1. هب أن الكلام هو للعلامة السعدي رحمه الله أو غيره من العلماء و أنه يقول كما تقول أنت أن السلف إذا أطلقوا الكراهة فمرادهم التحريم، فهل هذا الكلام حجة؟ ألسنا نقول أن كلام الرجال يستدل له و لا يستدل به؟ فأين الدليل على صحة هذا الفهم لكلام السلف أخي الكريم؟
2. هذا النقل إنما هو شرح و فهم لكلام ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين فبالله عليك كيف ترد فهم ابن القيم لكلام السلف المتعلق بالكراهة و الذي هو في حقيقة الأمر بيان مراده من كون "الكراهة أكثر ما تطلق على التحريم و قد تستعمل للتنزيه " بشرح و فهم غيره لعبارته؟؟؟!!!
3. مرة أخرى أقول أنني قد استجبتُ لطلبك فيما مضى و أتيتك بنقول لا تحتمل اللبس على إطلاق السلف الكراهة بمعنى التنزيه مما يدل على أن اللفظ عندهم ليس للتحريم فقط، و أنا أطلب منك أن تأتي بما ينقض دلالة هذه النقول على التنزيه أولاً ثم أن تأتي بكلام للأئمة يصرحون فيه بأن الكراهة عند السلف هي للتحريم فقط.
أرجو أخي الكريم أن تولي ما كتبتُه بالأحمر عناية خاصة في الرد.
كما أرجو أن تغفر لي إن كان قد بدا مني شيء ضايقك مما قد قدمت عذري عنه سلفاً، أما كلامك
عن الاستفادة من طرح العبد الفقير فغفر الله لك فما أنا سوى قماش أجمع كلام العلماء من هنا و هناك، و الله المستعان.
أخي الكريم أبو حسن ... أحسن الله إليك
أقول ربما كان الخلاف بيننا لفظياً إن أردتَ أنه يجب النظر في إطلاق الواحد من السلف لفظ الكراهة على شيء ما فإن وجدنا القرائن تدل على الحرمة رجحنا أنها مراده و إن وجدناها تدل على التنزيه رجحنا أنها مراده، أما إن كنتَ تقول أننا إذا لم نجد قرينة تدل على التنزيه فيجب علينا حمل الكراهة على التحريم و إن لم يكن هناك قرينة على التحريم فهذا ما أخالف فيه، و بيان ذلك:
إذا كنا نقر بأن كراهة السلف قد تكون للتنزيه ـ و هذا هو الأقل ـ و قد تكون للتحريم ـ و هذا هو الأكثر ـ فعندما يأتينا قول بالكراهة عن بعض السلف و ليست معنا قرينة لا على هذا المعنى و على ذاك فبأي مرجح نميل إلى الحرمة دون التنزيه؟ أبكون الحرمة هي الأكثر في كلامهم؟ فما يدرينا أن هذا الموضع بالذات هو من الأكثر الذي هو للحرمة؟
سأضرب مثالاً مشاهداً أرجو أن يبين وجهة نظري السابقة:
فهذا رجل محسن كريم يزور ابنه في مدرسته و هي مدرسة راقية لا يقدر على تكاليف التعلم فيها إلا الأغنياء، فالأصل أن كل من فيها من الطلاب أغنياء و لا يحتاجون إلى إحسانه فليس من المتصور أن يبحث بينهم عن فقير يحسن إليه، لكنه إن رأى بينهم طالباً بالي الثياب رث الهيئة فهذه قرينة على فقره تدفع الرجل للبحث في حاله إذ ربما كان هذا الطالب فقيراً حقاً و لكنه متفوق فمنحته المدرسة حق التعلم فيها بلا مقابل.
على العكس من ذلك إذا ذهب لمدرسة أخرى بحثاً عمن يمد لهم يد إحسانه ثم قال له المسؤولون فيها إن الأكثر و الغالب على طلابنا أنهم أغنياء فإنه سيسعى للتعرف على بعض أولئك الأقل الذين ليسوا بأغنياء و تمييزهم عن الباقين، فحال كل طالب من طلاب هذه المدرسة مجهول بالنسبة له فقد يكون من الغالب الغني و قد يكون من الأقل الفقير، فلو أنه اعتبر أن حال هؤلاء كحال إخوانهم في المدرسة الأولى و أن الأصل فيهم أنهم أغنياء فلن يبحث بينهم عن الفقراء و سيغادر إلى مدرسة أخرى، و لا شك أنه سيكون مخطئاً في ذلك.
هذا هو الفرق الذي أراه بين قولنا الأصل في الشيء كذا و أن الأكثر في هذا الشيء هو كذا، و أنا أحسب أخي الكريم أن رأيك الذ قلتَه مستند لكلام ابن القيم في الإعلام الذي يكاد يكون عمدة المتكلمين في المسألة، فإن كان الأمر كذلك فهو رحمه الله قال الأكثر و لم يقل الأصل فلماذا العدول عن كلامه و ألفاظه إلى ألفاظ قد تعطي معنىً زائداً عن مراده رحمه الله ـ كما أرى ـ؟
من جهة أخرى فإن كان مستندك هو كلام آخر غير كلام ابن القيم رحمه الله في الإعلام فأرجو أن تتفضل به مشكوراً ....
و جزيتم خيراً إخوتي جميعاً.
¥