(وإنما المتوجه أن يكون التربيع [أي في السفر] إما محرماً أو مكروهاً لأن طائفة من الصحابة كانوا يربعون وكان الآخرون لا ينكرونه عليهم إنكار من فعل المحرم بل إنكار من فعل المكروه)
فلو كان جائزاً بلا كراهة عندهم لما أنكروه، فالذي يفهم من الكلام أنهم أنكروه لأنهم يرونه خلاف الأولى، و الله أعلم.
مجموع الفتاوى [جزء 26 - صفحة 111]
(و الرداء لا يحتاج إلى عقده فلا يعقده [أي المحرم] فإن احتاج إلى عقده ففيه نزاع و الأشبه جوازه حينئذ و هل المنع من عقده منع كراهة أو تحريم فيه نزاع و ليس على تحريم ذلك دليل إلا ما نقل عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كره عقد الرداء و قد اختلف المتبعون لابن عمر فمنهم من قال هو كراهة تنزيه كأبي حنيفة و غيره و منهم من قال كراهة تحريم)
فعلى فرض أن الأئمة الأربعة رحمهم الله كانوا يستخدمون الكراهة على معنى مغاير لاستخدام الصحابة و التابعين ـ كما قلتَ أخي الكريم ـ فإنهم بلا شك لم يكونوا يجهلون ذلك، فليس من المتصور و الحال كذلك أن يختلفوا حول مراد ابن عمر رضي الله عنهما من كراهة عقد الرداء لأنهم يعلمون أن الصحابة لا يستخدمون الكراهة إلا للتحريم، و الحاصل هنا خلافه.
هذا و كنتَ أخي الكريم قد ذكرتَ أن النصوص الشرعية تفرق بين التحريم و الكراهة فالأول للكبائر و الثاني لما دونها من المحرمات، فهل قوله صلى الله عليه و سلم
((إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعا وهات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال))
يعني أن منعاً و هات من الكبائر؟
إن الذي يظهر و الله أعلم أن الأمور الثلاثة الأولى من المحرمات و الثانية من المكروهات
قال النووي رحمه الله في شرحه على مسلم [جزء 12 - صفحة 12]
وفي قوله صلى الله عليه وسلم حرم ثلاثا وكره ثلاثا دليل على أن الكراهة في هذه الثلاثة الأخيرة للتنزيه لا للتحريم والله أعلم
بقي أمر مهم، و هو أننا عندما نختلف حول مراد السلف من إطلاق الكراهة فهذ لا يعني أن السلف كانوا ينفون منزلة كراهة التنزيه، و إلا فإن الأحكام التكليفية عندهم ستكون أربعة لا خمسة، و يكون خلفهم بذلك قد اخترعوا منزلة جديدة و لا أحسب أن أحداً يقول بذلك.
فإذا كان الأمر كذلك و إذا كان السلف لا يطلقون الكراهة إلا على مراد التحريم، فماذا كانوا يطلقون على ما اصطلح المتأخرون على تسميته بالمكروه؟
في انتظار فوائدالأخوة الكرام و ... بارك الله في الجميع.