تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما مسألتنا فهي: حكم الحاكم في أمرٍ عامٍ في مسألة مختلفٍ فيها بين العلماء على قولٍ من الأقوال – كالتأمين التجاري – دون إكراه.

فأقول مستعيناً بالله:

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: لا يجوز للحاكم أن يلزم الناس بقولٍ من الأقوال إلا إذا رفعت إليه دعوى في قضية خاصة ليحكم فيها؛ فالقضاء بما يترجح عند القاضي ملزم لكلا الطرفين.

قال شيخ الإسلام في المجموع (35/ 372): وليس المراد بالشرع اللازم لجميع الخلق (حكم الحاكم) ولو كان أفضلَ أهل زمانه!؛ بل حكم الحاكم العالم العادل يُلزمُ قوماً معينين تحاكموا إليه في قضيةٍ معينة، لا يُلزم جميع الخلق ... .

والدليل على ذلك ما يلي:

الدليل الأول: أنَّ الحكم في المسائل الخلافية لله ورسوله، والدليل على ذلك قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم؛ فإن تنازعتم في شيءٍ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا " قال شيخ الإسلام في المجموع (35/ 361): فأوجب الله طاعة أولي الأمر مع طاعة الرسول، وأوجب على الأمة إذا تنازعوا أن يردوا ما تنازعوا إلى الله ورسوله إلى الكتاب وسنة رسوله ... فالحكم لله وحده، ورسلُهُ يبلغون عنه؛ فحكمهم حكمه، وأمرهم أمره، وطاعتهم طاعته، فما حكم به الرسول وأمرهم به وشرعه من الدين = وجب على جميع الخلائق اتباعه وطاعته؛ فإن ذلك هو حكم الله على خلقه. اهـ.

وكذلك جميع النصوص الدالة على وجوب تحكيم أمر الله ورسوله دون غيرهما؛ كقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله "، وقوله: " إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون "، وقوله: " إن الحكم إلا لله "، وقوله: " وان احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم "، وقوله: " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله "، وقوله: " و لا يشرك في حكمه أحدا " وغيرها من الآيات والأحاديث، وهي وإن كانت عامة إلا أنها توضح لنا الأصل في هذه المسائل، وهو وجوب تحكيم قول الله ورسوله دون غيرهما من الناس كائناً ما كان.

الدليل الثاني: أنَّ المتبع لقول الحاكم في ذلك مع علمه بأنَّ حكم الحاكم مخالفٌ لحكم الله ورسوله - وإنْ كان الحاكم مجتهداً قصده اتباع الرسول - فهو داخل في عموم قوله تعالى: " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله " قال شيخ الإسلام – رحمه الله – في الفتاوى (7/ 70): وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا - حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم اللّه وتحريم ما أحل اللّه - يكونون على وجهين:

أحدهما: أن يعلموا أنهم بدلوا دين اللّه فيتبعونهم على التبديل، فيعتقدون تحليل ما حرم اللّه، وتحريم ما أحل اللّه، اتباعًا لرؤسائهم، مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل، فهذا كفر، وقد جعله اللّه ورسوله شركًا - وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم - فكان من اتبع غيره في خلاف الدين مع علمه أنه خلاف الدين، واعتقد ما قاله ذلك، دون ما قاله اللّه ورسوله مشركًا مثل هؤلاء.

والثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال وتحليل الحرام ثابتًا (1)، لكنهم أطاعوهم في معصية اللّه، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاص، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنما الطاعة في المعروف " ()، وقال: " على المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره، ما لم يؤمر بمعصية " ()، وقال: " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " ()، وقال: " من أمركم بمعصية اللّه فلا تطيعوه " ().

ثم ذلك المحرم للحلال والمحلل للحرام، إن كان مجتهدًا قصده اتباع الرسول، لكن خفي عليه الحق في نفس الأمر، وقد اتقى اللّه ما استطاع فهذا لا يؤاخذه اللّه بخطئه، بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع به ربه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير