القول الأول: قول مالك والشّافعيّ وأحمد ورجحه ابن حزم، أنّه يحكم بالقافة في ثبوت النّسب، إلا أن مالكا لم يأخذ به إلا في الإماء. واستدل مالك والشافعي بحديث مجزز المدلج لما رأى أقدام زيد بن حارثة وابنه أسامه وأنه قال:" إن هذه الأقدام بعضها من بعض" فسر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله. وردوا على مالك بأن زيدا وأسامة أحرار فليس على التفريق دليل.
وأجيب عن الحديث بأن النسب ثابت بالفراش وإنما سرَّ النببي صلى الله عليه وسلم بتوافق قوله مع الأصل وهو الفراش.
والقول الثاني: قول الحنفيّة بأنه لا يحكم بقول القافة، ومستندهم:
1 - الحديث المتفق عليه:" الولد للفراش وللعاهر الحجر".
2 - وحديث الرجل الذي قال:" إن امرأتي ولدت غلاما أسود" فقال صلى الله عليه وسلم:" هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها؟ قال:" حمر، قال:" فهل فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقا، قال: فأنى لها ذلك؟ قال: عسى أن يكون نزعه عرق، فقال صلى الله عليه وسلم: "وهذا عسى أن يكون نزعه عرق".
وبنى الحنفية على قولهم في مسألة مشهورة وهي ما إذا تنازع اثنان صبيا فإنه يعمل بالترجيح ثم بالتعارض فينسب الطفل إلى أبوين أو أمين مستندين إلى قضاء عمر رضي الله عنه. ولكنه ضعيف لا يصح سنده.
ورده ابن حزم والجمهور بأنه مخالف للكتاب والسنة والعقل الصحيح. وقد أكد الطب الحديث استحالة أن يكون ابن من أبوين إلا في حال التوأم من بييضتين، إذ قد تلقح بييضة بحيوان منوي من رجل والأخرى بحيوان منوي من رجل آخر وحدث هذا وتم تأكيده بتحليل الحمض النووي.
وحيث أنه وجدت وسائل أكثر دقة فالراجح أن يستعاض عن القيافة القديمة بالقيافة الحديثة = فحص البصمة الوراثية خصوصا مع ابتعاد العرب عن القيافة وقلة المتخصصين العدول فيها، إضافة إلى انتفائها في معظم بلدان العالم الإسلامي.
المسألة الثانية: إثبات بنوة مجهول النسب بالطرق اليقينية الحديثة
من اليقين عند أهل الاختصاص في علم الطب الوراثي أن الصفات الوراثية للابن مشابهة لأبيه وأمه. ويكون ذلك عن طريق فحص الدم لمجهول النسب ولوالديه المتنازعين. ولذا فالأخذ بها متعين عند الحاجة.
الخاتمة:
وأود أن أختم هذا البحث بذكر نتائجه والتي هي:
1 - أن القضاء بالقرائن اليقينية أمر لا يختلف فيه أحد من العلماء.
2 - كما لا يختلفون في رد القرائن الضعيفة المتوهمة.
3 - وأن الراجح الأخذ بالقرائن القوية في الأموال.
4 - أنه بالنظر إلى النصوص النبوية والحوادث التي وقعت في عهده نجد أن جريمة الزنا لها خصوصية من حيث تشوف الشارع فيها إلى الستر، وعليه فلا يؤخذ بالقرائن فيها لإثباتها.
5 - أن شرب الخمر مؤد إلى جرائم كثيرة جنائية لأنها أم الخبائث، والأخذ بالقرائن لإثباتها سبب لردع المجرمين من معاقرتها.
6 - ولما للقذف من حق للمقذوف فإن إثباته بالقرائن أمر لا يخالف الشرع بل هو مؤد لمقصد من أعظم مقاصده ألا وهو تحقيق العدالة.
7 - أن الجنايات على الآخرين تثبت بالقرائن القوية خاصة مع تطور وسائل الكشف عن الجريمة في الزمن الحاضر بشكل مذهل يصل أحيانا إلى اليقين.
8 - أن اللوث في جناية القتل قرينة قوية حكم بها النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده مع أيمان أولياء القتيل ويستحق بها الدم والله أعلم.
9 - أن الحكم بالقيافة أمر لا بد منه في بعض الحالات عند التنازع واختلاط المياه.
10 - أن القيافة الحديثة باستخدام البصمة الوراثية أولى بالقبول من القيافة الظنية.
وفي الختام أسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين وأن يزيدنا علما وفقها وفهما، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قائمة المراجع والمصادر:
? إثبات جرائم الحدود في الشريعة والقانون – د. بدرية حسونة -– أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية – الرياض – ط 1 - 1423هـ.
? الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي – دار الكتب العلمية – 1405هـ.
? أضواء البيان للشنقيطي – دار الفكر للطباعة والنشر ببيروت – 1415هـ
? بداية المجتهد لابن رشد – دار المعرفة – بيروت – ط9 – 1409هـ.
? تبصرة الحكام لابن فرحون.
? التحقيق الجنائي ومهام المحقق في مسرح الجريمة – المقدم عبدالوهاب محمد بدر الدين – ط1 - 1398هـ.
¥