والحاصل من هذا مثلا أن فرضية قراءة القرءان في الصلاة ثابتة بدليل مقطوع به، وهو قوله تعالى: " فاقرؤوا ما تيسر من القرءان "، وتعيين الفاتحة ثابت بخبر الواحد وهو قوله عليه السلام: " لا صلاةلمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " وهو دليل ظني، فمن جعل ذلك فرضا كان زائدا على النص، والقول بفرضية ما ثبت بخبر الواحد رفع للدليل الذي فيه شبهة عن درجته أو حط للدليل الذي لا شبهة فيه عن درجته، وكل مهما تقصير لا يجوز.والجمهور يخافهم بالقول أن عدم قراءة الفاتحة مبطل للصلاة، والحنفية أخذوا بعموم الآية، والعموم هنا يفيد قراءة الفاتحة وغيرها من الآيات.
وعموما فالجمهور والحنفية يتفقون على لزوم الفرض والواجب، وإن اختلفوا في مدى قوة دليل كل منهما، وقد ذهب الآمدي والفخر الرازي إلى أن الخلاف بينهم لفظي وليس عمليا، ولكن بالتأمل يتضح أن الخلاف بنيت عليه فروع فقهية كثيرة.
أما المكروه: فهو ما طلب الشارع من المكلف تركه من غير إلزام بحيث يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، والخلاف فيه جار مجرى الخلاف في الفرض والواجب، والأحناف يقسمون المكروه إلى نوعين:
* المكروه كراهة تحريم: وهو المقابل للواجب، وهو ما طلب الشارع من المكلف تركه جزما بدليل ظني كأخبار الآحاد أو القياس، كلبس الحرير والذهب للرجال، فعن أبي موسى الأشعري أن النبي عليه السلام قال:" حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم "، وكذلك بيع المرء على بيع أخيه وخطبته على خطبته، لقوله عليه السلام:" لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ولا يبع على بيع أخيه إلا بإذنه ". فهذه الأخبار ومثلها عند الأحناف ظنية الثبوت، وهذا بخلاف الحرام الذي هو طلب الترك الجازم الثابت بالدليل القطعي، والذي يكفر منكره بخلاف المكروه تحريما.
* المكروه كراهة تنزيه: وهو المقابل للمندوب، وهو ما طلب الشارع من المكلف تركه طلبا غير جازم بدليل ظني فيه شبهة، وهو ما لا يذم فاعله، خلافا للمكروه تحريما، ومن أمثلة الكروه تنزيها لحوم الخيل والوضوء من سؤر الهرة وسباع الطير وغير ذلك ... وهذا النوع من المكروه تقابله عند المالكية وغيرهم ما يعرف بخلاف الأولى، وهو ما عبر عنه الشنقيطي صاحب نظم مراقس السعود بقوله حين الحديث عن أقسام الحكم:
ثم الخطاب المقتضي للفعل جزما فإيجاب لدى ذي النقل
وغيره الندب وما الترك طلب جزما فتحريم له الإثم انتسب
أو لا مع الخصوص أو لا فع ذا خلاف الأولى وكراهة خذا
ويمكنك الرجوع إلى شرح النظم الموسوم: نشر البنود على مراقي السعود، من أجل زيادة الإستبيان حول الموضوع.
هذا أخي جهد المقل وزاد من لا زاد له من العلم والتقوى، فاعذر أخاك لجهله وعجزه وتقصيره، مع العلم أني لست حنفيا، ولهذا قد يظهر لك الخلل فاعف واصفح وتجاوز جزاك الله خيرا.
ـ[أبو حاتم يوسف حميتو المالكي]ــــــــ[27 - 03 - 06, 01:30 م]ـ
عفوا قصدي: بالشنقيطي عبد الله بن الحاج ابراهيم صاحب مراقي السعود.