تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[نموذج من الإعجاز البياني في آية من التنزيل ...]

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[23 - 08 - 07, 05:27 م]ـ

إعجاز القرآن ملحوظ للمتدبر اليقظ لكنه يخفى عن الغافل أو الخامل ...

فلو شاهد هذا الخامل رجلا يخرج من كيس صغير عشرات الأشياء الكبيرة بدون شعوذة أو احتيال لاعتبر ذلك معجزة يقينا ... لكنه وهو يقرأ القرآن لا ينتبه إلى أن تلك العملية الإعجازية -من إخراج الشيء من لاشيء-تقع أمام عينيه في آيات القرآن مرات ومرات .. فاستخلاص عشرات المعاني من ألفاظ معدودات معجزة حقا .. ولا أرى فرقا في النتيجة بين أن يكون المرء حاضرا بين يدي رسول الله صلى عليه وسلم وهو يقوم بتكثير الطعام القليل في غزوة الخندق أثناء حصار المشركين للمدينة وبين أن يشاهد العلماء يستنبطون من الآية الواحدة أحكاما ومعاني وعبرا مرات ومرات ... المعجزة حاضرة في الحالتين إلا أنها حسية في تكثير الطعام ومعنوية في تكثير الدلالات ... مع ميزة خاصة لمعجزة الآية القرآنية وهو أنها حاضرة باستمرار وماثلة أمام كل العيون بينما المعجزة النبوية الحسية تمت مرة واحدة ولا أمل في أن تتكررفي الزمان والمكان.

وامتثالا لأمرربنا في تدبر القرآن وتبليغه للناس سجلت هذه الخواطر ومدارها على بيان ذلك الوجه العظيم من وجوه إعجاز القرآن:"الإيجاز ".واخترت كلمات عشر من بداية قوله تعالى:

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} آل عمران64

أسأل الله السداد والعصمة في القول ... ولعل الله يتجاوز عنا ما أخطأنا فيه .. وصلى الله على محمد الهادي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.

قُلْ:

هذا الأمر الإلهي للرسالة الخاتمة يؤشر، داخل نسق القرآن، على أصل عظيم -بل هو أصل أصول هذا الدين- فلا غرو أن تكرر في التنزيل تكرارا ملحوظا (ثمانية وثلاثين في الزهراوين، ويوشك العدد أن يحاذي المائة الثالثة في مجموع القرآن)

هذا الأصل هو ما دل على استقلال هذا الدين عن الذوات والعقول،فهو متميز بوجود موضوعي فوق الأفراد ولا يصل إليهم إلا بالتلقين وصيغة التلقين: قل!

هي صبغة الله المتميزة عن كل الفلسفات و المذاهب التي تنشأ –بدون استثناء-داخل الفرد حصيلة أمشاج من الحدوس والتأملات والخبرات الذاتية والجماعية.

التلقين هو قدر هذا الدبن:

رب العزة لقن المطاع الأمين.

والمطاع الأمين لقن خاتم المرسلين.

وخاتم المرسلين لقن الصحابة المهتدين.

والصحابة لقنوا التابعين المحسنين ..... وهلم جرا.

فدار الدين على كلمتين:"قل" إنشاء و"حدثنا"إخبارا .. !!

وردت" قل" في مختلف المناسبات وفي متفرق المقامات:

تلقينا لجواب في مناظرة:

{وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} البقرة80

أو تشريعا إثر استرشاد":

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} البقرة189

أوتبليغا لتهديد:

{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} آل عمران12

أوتعجيلا ببشارة:

{وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}

أو تلقينا لذكر ودعاء:

{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} آل عمران26

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير