صورة بنك يتلقى الودائع بصفته وكيل استثمار، ويستثمر هذه الودائع بنفسه في
معاملات وبصيغ وعقود استثمار مباشرة، وهذه المعاملات وتلك الصيغ تتفق مع أحكام
الشريعة الإسلامية، وإذا فرضنا جدلا أن البنوك تقبل الودائع بصفتها وكيلا عن المودعين
لاستثمارها بنفسها وللاتجار فيها استثمارا مباشرة فإن هذا الاستثمار يجب أن يكون بصيغ
استثمار شرعية كالبيع والشراء والاستصناع والمرابحة والسلم والمشاركة وغيرها من الصيغ
والعقود الشرعية وليس بصيغة الإقراض بفائدة.
كما أنه يجب أن تكون الوكالة في الاستثمار مستوفية لشروطها الشرعية وتترتب
عليها الأحكام والآثار التي ترتبها الشر ي عة عليها من كون الربح كله للمودعين، وللبنك
الأجر المحدد المتفق عليه في عقد الوكالة، على أن تكون الخسارة في الودائع التي لابد
للبنك فيها، على أصحا?ا لأ?م المالكون لها، وينبغي أن يمسك البنك للودائع التي
يستثمرها بطريق الوكالة حسابا مستقلا منتظما مدققا تقيد فيه إيرادات ومصروفات جميع
المعاملات الشرعية التي يقوم ?ا البنك حتى يتحقق الربح المستحق للمودعين بعد أن يخصم
البنك الأجرة المتفق عليها عند الإيداع، والبنوك الإسلامية تقوم ?ذا العمل على الوجه
السابق وذلك بجانب قيامها باستثمار الودائع بصيغ أخرى كالمض اربة والمشاركة وغيرها
من صيغ الاستثمار الشرعية.
مناقشة الشبهات
التي اعتمدت عليها فتوى مجمع البحوث الإسلامية
الشبهة الأولى: تراضي الطرفين على تحديد الربح:
فقد جاء في صدر الفتوى ((ومما لا شك فيه أن تراضي الطرفين على تحديد الربح
مقدما من الأمور المقبولة شرعا وعقلا حتى يعرف كل طرف حقه)).
والرد على ذلك أنه قد علم بالنص والإجماع بطلان إطلاق القول بأن التراضي وحده
يحل الحرام أو يحرم الحلال، فإن الحلال ما أحله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله
، فالتراضي على الربا أو الزنا أو بيع المحرمات من الخمر وا لميتة ولحم الخترير ونحوه لا يحل
شيئا من ذلك.
لقد كان العرب يتراضون فيما بينهم على الزيادات الربوية ولم يمنع هذا التراضي في
تكييف هذه الزيادات على أ?ا هي الربا الحرام، وإعلان الحرب عليها من الله ورسوله.
يقول الجصاص: ((والربا الذي كانت العرب تعرفه وتف عله إنما كان قرض الدراهم
والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به)) فتأمل قوله (
على ما يتراضون به).
ولم يمنع تراضي الفتاة مع خد?ا على الزنا من أن يتفق أهل الإسلام قاطبة على
وصف هذه العلاقة الآثمة بالفاحشة وتوقيع العقوبة الشرعية عليها وإن أحلت ذلك
القوانين الوافدة واعتبرته من جنس الحريات الشخصية.
وإذا كان الأصل في العقود أو الشروط الحل في أظهر قولي العلماء فإن ذلك مقيد بأن
لا تحل حراما أو أن تحرم حلالا كما هو ظاهر.
الشبهة الثانية: تحديد الربح لا يكون جزافا وإنما يتم بعد دراسات دقيقة:
فقد جاء في نص الفتوى: (ومن المعروف أن البنوك عندما تحدد للمتعاملين معها
هذه الأرباح أو العوائد مقدما، إنما تحددها بعد دراسة دقيقة لأحوال الأسواق العالمية
والمحلية وللأوضاع الاقتصادية في ا?تمع ولظروف كل معاملة ولنوعها ولمتوسط أرباحها)
ولا يخفى أن هذا التعليل ليس في محل التراع ولا يتصل بالموضوع، لأن الخلاف ليس
في طريق تقرير ما يعطي للمودع، بل في حكم ما يعطي من حيث المبدأ بصرف النظر
عن مقداره، وطريقة تحديده، وقد تقدم أن الوديعة تعد قرضا بنص القانون وبإجماع
الفقهاء وكل قرض جر نفعا فهو ربا بنص الحديث الشريف ذلك أن واقع البنوك أ?ا
تتلقى الودائع وتملكها وتستقل باستخدامها في إقراض الغير بفائدة مع التزامها برد مثلها
عند الطلب، وهذه حقيقة عقد القرض شرعا وقانونا وقد سبق تفصيل القول في ذلك.
الشبهة الثالثة: قابلية الربح المحدد للزيادة والنقصان:
فقد جاء في نص الفتوى: (ومن المعروف كذلك أن هذا التحديد قابل للزيادة
والنقص، بدليل أن شهادات الاستثمار بدأت بتحديد العائد 4% ثم ارتفع هذا العائد إلا
. % أكثر من 15 % ثم انخفض الآن إلى ما يقرب من 10
والذي يقوم ?ذا التحديد القابل للزيادة أو النقصان هو ا لمسئول عن هذا الشأن طبقا
للتعليمات التي تصدرها الجهة المختصة في الدولة)
¥