ثم يذكر الدكتور البار ما يتوهمه الناس في الخمر , فيعتقدون باطلاً أن لها منافع وفوائد فبعض الناس يظن أنها تنفع لتدفئة الجسم، وهو باطل .. يقول (فالخمر يوسع الأوعية الدموية وخاصة تلك التي تحت الجلد، فيشعر المرء بالدفء ويفقد حرارة جسمه في الجور القارس , ومما يزيد الطين بلة أن الإنسان المخمور يفقد قدرته على توليد الطاقة من الارتعاش، الذي يحدث عند الشعور بالبرد، فالإنسان السليم عندما يشعر بالبرد تنقبض أوعيته الدموية السطحية على الجلد حتى لا يفقد الحرارة، ثم يرتجف من البرد، وهذا الارتجاف يطلق الأدرينالين والكورتيزول، ويحول سكر العضلات على حلوكلوز ينطلق ليعطي الطاقة والدفء وذلك كله مفقود لدى شارب الخمر ... ).
ويتكلم عن الأوهام الأخرى فيدحضها واحدة واحدة بشكل علمي دقيق، ومما ذكره , ودحضه ما يتوهمه بعض الناس من أنها دواء للقلب وتوسع الشرايين التاجية، وأنها تثير الرغبة الجنسية وتقوي الباءة، فكل هذا غير صحيح،
بل كما قاله الشاعر الانكليزي شكسبير (إنها تحفز على الرغبة، ولكنها تقد القدرة على التنفيذ). وقد تؤثر على المنطقة الدماغية تحت المهاد، والغدة النخامية، والخصية، وتحطم الكبد، وقد تصيب الجهاز العصبي من الناحية الجسمية.
وهذا الذي ذكره الدكتور البار في أكثر من كتاب من كتبه ذكره كل من تكلم في هذا الموضوع من الأطباء المعاصرين إلاّ من شذ عن ذلك، وهم قليل.
ومن الذين كتبوا في هذا الموضوع بتخصص وتحميص دقيق الدكتور محمود ناظم النسيمي وذهب في الحكم إلى مثل ما ذهب إليه الدكتور البار. ومنهم الدكتور نجيب الكيلاني رحمه الله الذي يقول: لم يعد خافياً على أحد ما للمشروبات الكحولية من أضرار واضحة على جسم الإنسان وخاصة عند الإدمان، إذ إنها تؤثر على الجهاز العصبي المركزي ن والأعصاب الطرفية، ولها أيضاً مفعول ضار بالجهاز الهضمي , وخاصة الكبد والمعدة والاثني عشر.
وذكر بعد ذلك أن بعض الأمراض تزداد سوءاً إذا كان المصاب مدمناً على الخمر، كمرض السل والقلب والمعدة والكبد وغيرها إلى أن يصل إلى القول (فالخمر إذن له تأثير على مختلف أجهزة الجسم بطريق مباشر أو غير مباشر، وهذه حقائق علمية مؤكدة تدرس لطلبة الطب في كل أنحاء العالم لأنها من الأمور المتفق عليها).
ويذكر الدكتور النسيمي مثل ذلك في أكثر من موضع من كتابه القيم (أحكام التداوي بالمحرمات مع التحقيق العلمي والإيضاح الطبي المناسب)، وخاصة في بحث (البيرا) حيث بيّن ما ذكرناه قبل قليل.
ويقول قبل ذلك: أما الخمر فإنها إضافة لآثارها الجانبية الكثيرة الضارة في أجهزة الجسم والثابتة طباً، فإن لها آثاراً ضارة على النفس والجانب الروحي في الإنسان وسلامة الناحية الروحية، تُعد في طليعة ما يجب الحفاظ عليها، ومن أجل ذلك كله ن فإن الخمر وكل المسكرات لا يستحق أن توضع في مفردات الأدوية، وقد أخذ الطب الحديث اعتباراً من منتصف القرن العشرين تقريباً يبطل التداوي بتجرع المسكرات في فروع الطب المختلفة، حتى بطل نهائياً في هذه السنين الأخيرة.
ويتعجب البروفسور لندل أستاذ الأمراض النفسية في جامعة ادنبرا باسكتلندا، كيف يقنن الغرب ويراقب تجارة المخدرات في نفس الوقت الذي يروج فيه تجارة الخمر مع أنها من المواد المخدرة، والكحول عامل مسرطن ومسممّ لكل الأنسجة في جسم الإنسان)
ويقول الدكتور علي الجفال: هذا وقد أثبتت الأبحاث الطبية أخيرا أن من الخطأ اتخاذ الكحول دواءً لأي مرض من الأمراض، وكان ذلك من أهم النتاج التي توصل إليها المؤتمر الدولي الحادي والعشرين لمكافحة المسكرات والتسمم الكحولي الذي عقد في هلسنكي عاصمة فنلندا سنة 1936، ففي إيراد ذلك عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وكانت النتيجة التي توصل إليها المؤتمر بإجماع الآراء ما يلي: (يقر المؤتمر أن الطبيب الذي يصف لعليله شيئاً من الخمر على سبيل التداوي يعتبر في عرف هذا المؤتمر طبيباً متأخراً في فنه بضعة عشر عاماً ن وإن الشخص الوحيد الذي ينتفع من رواج الخمر هو صانعها أو بائعها وأما شاربها فهو الضحية والفريسة التي يدفع ثمنها من ماله وصحته وعاقبة أمره).
¥