تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

2) ـ أن عمومات الشريعة تؤيد هذا القول، كقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) (سورة التغابن: الآية 16.)، وقوله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) (سورة البقرة: الآية 286.)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" (أخرجه مسلم رقم (1337)، والنسائي (5/ 110، 111)

3) ـ أن هذا القول فيه جمع بين الأدلة؛ فقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمنفرد خلف الصف"، محمول على ما إذا قصر في أداء الواجب، وهو الانضمام إلى الصف وسد الفرجة وأما إذ الم يجد فرجة فلا يحمل عليه الحديث، بدليل ما ذكرنا في الأمرين السابقين؛ لأنه ليس بمقصر، فتصح صلاته إن شاء الله.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – (وأما حديث أبي بكرة فليس فيه أنه صلى منفرداً خلف الصف قبل رفع الإمام رأسه من الركوع، فقد أدرك من الاصطفاف المأمور به ما يكون به مدركاً للركعة، فهو بمنزلة أن يقف وحده ثم يجيء آخر فيصافه، فإن هذا جائز باتفاق الأئمة. . .) (مجموع فتاوى شيخ الإسلام (23/ 397)، وانظر الفتاوى السعدية (ص171).) وعلى هذا فمن صلى جزءاً من صلاته خلف الصف ثم انضم إليه آخر لا يعد مصلياً خلف الصف منفرداً. وهذا ما فعله أبو بكرة رضي الله عنه. والأظهر في حديث أبي بكرة أن النهي في قوله صلى الله عليه وسلم: "زادك الله حرصاً، ولا تعد"، نهي عن الإسراع والسعي الشديد؛ لما تقدم أول الكتاب من النهي عن إتيان الصلاة في حالة الإسراع، ولا يمكن أن يعود إلى الركوع دون الصف، ولا للاعتداد بتلك الركعة، لا سيما وقد فعل ذلك بعض الصحابة كأبي بكر، وزيد بن ثابت، وابن مسعود – رضي الله عنهم – وثبت هذا عنهم بأسانيد صحيحة (انظر: إرواء الغليل (2/ 263، 264)

ولا يجوز لمن لم يجد مكاناً في الصف أن يجذب رجلاً يقف معه لما يلي:

1) ـ أن الحديث الوارد في الجذب ضعيف، وهو حديث وابصة، وفيه: "ألا دخلت في الصف أو جذبت رجلاً يصلي معك" (أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 145)، والبيهقي (3/ 105)، وأبو يعلى (2/ 245) من طريق السري بن إسماعيل عن الشعبي عن وابصة، والسري بن إسماعيل: متروك، وقد توبع على هذه الزيادة بمتابعة واهية. فانظر "الإرواء" (2/ 326)

2) ـ أن الجذب يفضي إلى إيجاد فرجة في الصف، والمشروع سدّ الفرج.

3) ـ أن الجذب تصرف في المجذوب، وتشويش عليه، وتفويت لفضيلة الصف الأول وكونه خلف الإمام؛ لأن الغالب في الجذب أن يكون لمن هو خلف الإمام (انظر تعليق الشيخ عبد العزيز بن باز– رحمه الله – على فتح الباري (2/ 213)،وانظر: الضعيفة (2/ 322)

وإذا دخل اثنان وفي الصف فرجة فأيهما أفضل: وقوفهما معاً أو سد أحدهما الفرجة ووقف الآخر فذاً؟

ذهب بعض أهل العلم إلى أن الراجح الاصطفاف مع بقاء الفرجة؛ لأن سد الفرجة مستحب، والاصطفاف واجب.

وفي هذا نظر؛ فإن قوله صلى الله عليه وسلم: "من وصل صفاً وصله الله ومن قطع صفاً قطعه الله" (أخرجه أبو داود رقم (666)، وأخرج آخره من قوله: "ومن وصل صفاً. . "ابن خزيمة (3/ 23) والنسائي (2/ 93) والحاكم (1/ 213) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم لم يخرجاه" وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1/ 131).) يفيد وجوب سد الفرجة، وعليه فالأولى في هذه الحالة أن يسد أحدهما الفرجة وينفرد الآخر، والله أعلم.

قال في عون المعبود: ("من وصل صفاً": بالحضور فيه، وسدّ الخلل منه. "ومن قطع صفاً": أي: بالغيبة، أو بعدم السد، أو بوضع شيء مانع) (عون المعبود (2/ 366)

ومثل ما تقدم ما لو وقف اثنان في الصف ثم انصرف أحدهما لعذر، فإن الآخر يقف وحده على الصحيح، أو يقف عن يمين الإمام إن أمكن، ولا يجذب رجلاً، وأما قول صاحب المغني: (إنه يدخل في الصف، أو ينبه رجلاً يخرج معه، أو يقف عن يمين الإمام، فإن لم يمكن شيء من ذلك نوى الحدث) (المغني (3/ 55).) أقول: هذا فيه نظر، والصواب – إن شاء الله – أنه يتم الصلاة معهم ولو لم يقف معه أحد، ولا شيء عليه؛ لأنه معذور ولا تقصير منه، كما لو سبق إمامه الحدث فإن صلاته لا تبطل ببطلان صلاة إمامه، بل يستخلف على القول المختار في هذه المسالة، وما ذكره في المغني قول في المذهب. ومثل ذلك قول الشيخ منصور البهوتي في باب "صلاة الجمعة" من شرح الزاد: (وإن أحرم ثم زحم وأخرج عن الصف فصلى فذاً لم تصح) (شرح الزاد بحاشية ابن قاسم (2/ 443).) وهذا مبني على القول بأن صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح، وقد علمت أن المختار القول بالصحة لمن كان معذوراً بأن اجتهد ولم يجد مكاناً، وهذا الذي زحم أولى بالعذر، فصلاته معهم صحيحة، إن شاء الله تعالى، والله أعلم.

واعلم أن الذين لا يجيزون صلاة المنفرد خلف الصف اختلفوا في بيان ماذا يفعل: فقال بعضهم: يجذب رجلاً. وقد علمت ضعف ذلك، وقال آخرون: يقف عن يمين الإمام، وهذا لا دليل عليه في هذه المسألة بالذات، وقد ورد أن أبا بكر وقف عن يمين الرسول صلى الله عليه وسلم في مرضه – عليه الصلاة والسلام – وهي قضية فردية. أضف إلى ذلك أن الصفوف قد تكون كثيرة واختراقها والوقوف عن يمين الإمام يحدث تشويشاً على الإمام والمأمومين، ولا سيما الصف الأول ومن هم خلف الإمام، ثم إذا حضر ثان وثالث هل يقال لكل واحد يأت بمفرده: قف عن يمين الإمام؟!

إن هذه التصرفات تؤيد القول بأنه يصلي خلف الصف إذا لم يجد مكاناً، والله اعلم (راجع رسالة: (ثلاث مسائل في الصلاة)، بقلم نزار محمد عرعور (ص35)

http://alfuzan.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=11661

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير