{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} غافر67
هذا في النشاة الأولى
- {ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً} نوح18
- {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} طه55
- {رِزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} ق
- {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} ق42
وهذه في النشأة الثانية.
-ثانيا:
ترتيب الفضاءات والمراحل مدخلا لتجلية قوة المماثلة.
الرحم.
الدنيا.
القبر.
الآخرة.
الخروج من الرحم إلى الدنيا: نشأة أولى.
الخروج من القبر إلى الآخرة: نشأة ثانية.
الخروج الأول معروف معهود أما الثاني فغيب مجهول .. لن نتحدث هنا عن المقايسة -فقد فرغنا منها من قبل- ولكن سننتحدث عن أمر جليل وهو "التناسب"
فالعلاقة بين الرحم والعالم الخارجي هي تماما كالعلاقة بين الدنيا والآخرة ... واستكناه مظاهر الأولى حقيق بأن يظهر الثانية ... لكننا سنحتاج -كما قلت -إلى شيء قليل من الخيال.
فلنفرض جنينا في رحم أمه قبل الخروج:جنينا لا يختلف عن أجنة جنسه في التركيب إلا في أمر واحد وهو أنه يعي ويفكر مثلنا نحن الأحياء!!
هذا الجنين العاقل له فكرة عن العالم الذي يعيش فيه ... عالم ضيق مظلم يمكن أن يقطعه بحركتين ويعلم أن العالم حوله محدود بجدران من لحم ودم تصدر عنها خفقات ونبضات ... ولا شك ان الجنين قد تأمل جسمه ولاحظ وجود أعضاء لا تنفعه في شيء وربما لو تخلص منها لاكتسب سهولة في الحركة أكثر ... !!!
مثلا ما نفع الرجلين وهو يتحرك بدونهما ...
ما نفع العينين والعالم مظلم ..
والفم واللسان والمعدة لا يحتاج إليها فهو يتغذى بالمشيمة ..
وما نفع اليدين وليس ثمة عدو للبطش به أو سلم يمسك به للترقي ...
عالم الجنين إذن عالم فيه كثير من العشوائية والعبث!!
والآن تأتي اللحظة القوية في التمثيل:
ماذا لو أننا بوسيلة من الوسائل استطعنا أن ندخل في تواصل مع الجنين وقلنا له "عن قليل ستخرج إلى عالم آخر فسيح جدا يعد بملايير الأميال"هل سيصدق الجنين هذا الوعد؟ وهل سيفهم معنى" الميل "وهو الذي نشأ في ما يعد بالسنتمترات؟ وهل سيصدق لو قلنا له ستكبر وتمشي وتأكل الطعام بفمك وأسنانك؟ لا شك ان هذا الجنين سيسخر منا ولسان حاله يقول هيهات لما توعدون!! والراجح أنه سينسبنا إلى الجنون بما نسميه "شمسا "و"قمرا" و"نجوما" ... وهو يتلفت في محيطه الضيق يقول عن أي نور يتحدث هؤلاء الدجالون ... !!
لكن هذا الجنين عندما سيحل بهذا العالم سيكتشف أنه كان مخطئا في تقديره ... ولكن عليه ألا يقع في الخطإ مرتين فلو قيل له الآن وقد رأى الشمس والشجر":
إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا"
فعليه بالتصديق ولا يكرر الخطأ الأصلي. وكذلك إذا قيل له:
إِنَّ أَهْلَ النَّارِ يُعَظَّمُونَ فِي النَّارِ حَتَّى يَصِيرَ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذِنِ أَحَدِهِمْ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةَ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ , وَغِلَظُ جِلْدِ أَحَدِهِمْ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا وَضِرْسُهُ أَعْظَمَ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ,
فعليه أن يتذكر النشأة الأولى .. فعندما كنا نقول له وهو جنين ستكبر حتى تصل قامتك إلى ما يقرب المترين ... كان يبادر إلى التكذيب وحجته أن العالم كله ليس عرضه إلا عشرين سنتمترا!!!
سبحان الله! ما أعظم القرآن إذ يقول:
{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ} الواقعة62
بهذا التناسب يصبح المرء يصدق بلا أدنى تردد بكل ما يخبر به الصادق عن الآخرة ولو عجز عن تصوره أو بدا له مستحيلا فإن ظهرت عنده أعراض التردد والتكذيب فعليه أن يعود بذاكرته إلى النشأة الأولى ... هل يذكر ما ذا كان موقفه عندما سمع عن الجبال والبحار والرياح والمدن والقرى والسماء والأرض وهو حبيس في حيزه المظلم الضيق؟؟؟
ـ[إبراهيم الجزائري]ــــــــ[29 - 08 - 07, 11:41 ص]ـ
بارك الله فيك وأحسن الله إليك
بنفس الأسلوب (البياني) الذي اتبعته في بيان حقيقة البعث، لنا مع بداية سورة المومنون وقفة مماثلة من قوله تعالى: " ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين " إلى قوله: " ثم إنكم يوم القيامة تبعثون "، فالتسلسل البديع لأول خلق الانسان سيعقبه تسلسل أبدع في إعادة خلقه، وبنفس الأسلوب البياني يجعل المولى عز وجل حقيقة البعث آكد من حقيقة الموت من خلال حروف التوكيد؛ ففي الموت يقول جل شأنه: " ثم إنكم بعد ذلك لميتون " مستعملا أداتي التوكيد إن و اللام، وفي مسألة البعث يقول جل في علاه: " ثم إنكم يوم القيامة تبعثون " مستعملا أداة واحدة للتوكيد التي هي إن، هذه الأساليب وغيرها كثير في قرآن لا تنقضي عجائبه.