وروى عبد الرزاق عَن معمر، عَن الزهري، عَن سعيد بنِ المسيب، قالَ: كانَ عمر وعثمان وعائشة والمهاجرون الأولون يقولون: إذا مس الختان الختان فَقد وجب الغسل.
وروى وكيع، عَن محمد بنِ قيس الأسدي، عَن علي بنِ ربيعة، عَن علي، قالَ: إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل.
وروى ابن أبي شيبة والأثرم بإسنادهما، عَن عاصم، عَن زر، عَن علي، قالَ: إذا التقى الختانان وجب الغسل.
وقد روي، عَن علي مِن وجوه متعددة.
فهؤلاء الخلفاء الراشدون -رضي الله عَنهُم- قَد أجمعوا على ذَلِكَ، معَ أن بعضهم
روى عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه، فلولا أنهم علموا أن ما خالف ذَلِكَ منسوخ لما خالفوا ما سمعوا مِن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ووافقهم على ذَلِكَ أكابر الصحابة، مِنهُم:
ابنِ مسعود، وابن عمر، وأبو ذر، وأبو هريرة، ومعاذ بنِ جبل فقيه الأنصار، وأبو هريرة، وعائشة أم المؤمنين، وهي أعلم الناس بهذا، وإليها مرجع الناس كلهم.
وقد صح عنها، أنها افتت بذلك، وأمرت بهِ، وأن الصحابة الذين سمعوا منها رجعوا إلى قولها في ذَلِكَ؛ فإنها لا تقول مثل هَذا إلا عَن علم عندها فيهِ عَن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا سيما وقد علمت اختلاف الصحابة في ذَلِكَ.
وجمع عمر الناس كلهم على قولها، فلو كانَ قولها رأياً مجرداً عَن رواية لما استجازت رد روايات غيرها مِن الصحابة برأيها.
وقد روي عنها مِن وجوه كثيرة، وبعضها صحيح، كَما تقدم، أنها روته عَن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولاً أو فعلاً.
فما بقي بعد ذَلِكَ سوى العناد والتعنت، ونعوذ بالله مِن مخالفة ما أجمع عليهِ الخلفاء الراشدون، وجمع عليهِ عمر كلمة المسلمين، وأفتت بهِ عائشة أم المؤمنين، أفقه نساء هَذهِ الأمة، وهي أعلم بمستند هَذهِ المسألة مِن الخلق أجمعين.
فروى مالك عَن يحيى بنِ سعيد، عَن سعيد بنِ المسيب، أن أبا موسى الأشعري أتى عائشة أم المؤمنين، فقالَ لها: فقالَ لها: لقد شق علي اختلاف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمر إني لأعظم أن استقبلك بهِ، قالت: ما هو؟ ما كنت سائلاً عَنهُ أمك فسلني عَنهُ.
قالَ لها: الرجل يصيب أهله ثُمَّ يكسل ولا ينزل؟ فقالت: إذا جاوز الختان الختان فَقد وجب الغسل. فقالَ أبو موسى: لا أسأل عَن هَذا أحداً بعدك.
ورواه حماد بنِ زيد وعبد الوهاب الثقفي وغيرهما، عَن يحيى بنِ سعيد، بنحوه.
وسمى عبد الوهاب في روايته مِن قالَ: لا يجب الغسل بذلك: أبي ابن كعب، وأبا أيوب، وزيد بنِ ثابت، وسمى مِمن يأمر بالغسل: عمر وعثمان.
وروى ابن إسحاق، عَن يزيد بنِ أبي حبيب، عَن معمر عبد الله بنِ أبي حيية، عَن عبيد بنِ رفاعة بنِ رافع، عَن أبيه رفاعة، قالَ: كنت عند عمر، فقيل لَهُ: إن زيد بنِ ثابت يفتي برأيه في الذِي يجامع ولا ينزل، فدعاه، فقالَ: أي عدو نفسه، قَد بلغت أن تفتي الناس في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برأيك! قالَ: ما فعلت، ولكن حدثني عمومتي، عَن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قالَ: أي عمومتك؟ قالَ: أبي بنِ كعب، وأبو أيوب، ورفاعة بنِ رافع. قالَ: فالتفت عمر إلي، فقلت: كنا نفعله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالَ: فسألتم عَنهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالَ: كنا نفعله على عهده، قالَ: فجمع الناس، وأصفق الناس على أن الماء لا يكون إلا مِن الماء، إلا رجلين: علي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، قالا: إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل.
فقالَ علي: يا أمير المؤمنين، إن أعلم الناس بهذا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأرسل إلى حفصة، فقالت: لا علم لي، فأرسل إلى عائشة، فقالت: إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل. قالَ: فتحطم عمر -يعني: تغيظ -، ثُمَّ قالَ: لا يبلغني أن أحداً فعله ولم يغتسل إلا انهكته عقوبة.
خرجه الإمام أحمد وبقي بن مخلد في ((مسنديهما))، ومسلم في ((كِتابِ التفصيل)) وَهوَ ((كِتابِ الناسخ والمنسوخ)) لَهُ.
¥