تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

" تفرد به حنظلة " فليس بصواب و الله أعلم.

إذا عرفت ذلك ففيه رد على بعض المعاصرين من المشتغلين بالحديث، فقد ألف جزءا

صغيرا أسماه " إعلام النبيل بجواز التقبيل " حشد فيه كل ما وقف عليه من أحاديث

التقبيل ما صح منها و ما لم يصح، ثم أورد هذا الحديث و ضعفه بحنظلة و لعله لم

يقف على هذه المتابعات التي تشهد له، ثم تأوله بحمله على ما إذا كان الباعث

على التقبيل مصلحة دنيوية كغنى أو جاه أو رياسة مثلا! و هذا تأويل باطل، لأن

الصحابة الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن التقبيل، لا يعنون به قطعا

التقبيل المزعوم، بل تقبيل تحية كما سألوه عن الانحناء و الالتزام و المصافحة

فكل ذلك إنما عنوا به التحية فلم يسمح لهم من ذلك بشيء إلا المصافحة، فهل هي

المصافحة لمصلحة دنيوية؟! اللهم لا.

فالحق أن الحديث نص صريح في عدم مشروعية التقبيل عند اللقاء، و لا يدخل في ذلك

تقبيل الأولاد و الزوجات، كما هو ظاهر، و أما الأحاديث التي فيها أن النبي

صلى الله عليه وسلم قبل بعض الصحابة في وقائع مختلفة، مثل تقبيله و اعتناقه

لزيد بن حارثة عند قدومه المدينة، و تقبيله و اعتناقه لأبي الهيثم ابن التيهان

و غيرهما، فالجواب عنها من وجوه:

الأول: أنها أحاديث معلولة لا تقوم بها حجة. و لعلنا نتفرغ للكلام عليها،

و بيان عللها إن شاء الله تعالى.

الثاني: أنه لو صح شيء منها، لم يجز أن يعارض بها هذا الحديث الصحيح، لأنها

فعل من النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل الخصوصية، أو غيرها من الاحتمالات التي

توهن الاحتجاج بها على خلاف هذا الحديث، لأنه حديث قولي و خطاب عام موجه إلى

الأمة فهو حجة عليها، لما تقرر في علم الأصول أن القول مقدم على الفعل عند

التعارض، و الحاظر مقدم على المبيح، و هذا الحديث قول و حاظر، فهو المقدم

على الأحاديث المذكورة لو صحت.

و كذلك نقول بالنسبة للالتزام و المعانقة، أنها لا تشرع لنهي الحديث عنها،

لكن قال أنس رضي الله عنه:

" كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، و إذا قدموا من سفر

تعانقوا ".

رواه الطبراني في الأوسط، و رجاله رجال الصحيح كما قال المنذري (3/ 270)

و الهيثمي (8/ 36) و روى البيهقي (7/ 100) بسند صحيح عن الشعبي قال:

" كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا التقوا صافحوا، فإذا قدموا من سفر

عانق بعضهم بعضا ".

و روى البخاري في " الأدب المفرد " (970) و أحمد (3/ 495) عن جابر بن

عبد الله قال:

" بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيرا، ثم

شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرا حتى قدمت عليه الشام فإذا عبد الله بن أنيس،

فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب، فقال: ابن عبد الله؟ قلت: نعم،

فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني و اعتنقته " الحديث، و إسناده حسن كما قال الحافظ

(1/ 195) و علقه البخاري.

فيمكن أن يقال: إن المعانقة في السفر مستثنى من النهي لفعل الصحابة ذلك،

و عليه يحمل بعض الأحاديث المتقدمة إن صحت. و الله أعلم.

و أما تقبيل اليد، ففي الباب أحاديث و آثار كثيرة، يدل مجموعها على ثبوت ذلك

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنرى جواز تقبيل يد العالم إذا توفرت الشروط

الآتية:

1 - أن لا يتخذ عادة بحيث يتطبع العالم على مد يده إلى تلامذته، و يتطبع هؤلاء

على التبرك بذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم و إن قبلت يده فإنما كان ذلك

على الندرة، و ما كان كذلك فلا يجوز أن يجعل سنة مستمرة، كما هو معلوم من

القواعد الفقهية.

2 - أن لا يدعو ذلك إلى تكبر العالم على غيره، و رؤيته لنفسه، كما هو الواقع

مع بعض المشايخ اليوم.

3 - أن لا يؤدي ذلك إلى تعطيل سنة معلومة، كسنة المصافحة، فإنها مشروعة بفعله

صلى الله عليه وسلم و قوله، و هي سبب تساقط ذنوب المتصافحين كما روي في غير ما

حديث واحد، فلا يجوز إلغاؤها من أجل أمر، أحسن أحواله أنه جائز.اهـ

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير