كل ما ذكره إخواننا هنا لا يلزمنا منه شئ بحمد الله تعالى ... ونعوذ بالله أن نردّ قول رسولنا الأكرم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أو نفكر في هذا حتى .. أنرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ... كما نعوذ بالواحد الأحد أن نكذب أئمتنا ... أو نصفهم بما يخرم مروءة أو عدالة وهم هم ... ولست والله ممن يدعى أنه بلغ كعب أحدهم ... فغفر الله لكم إخواني جميعًا.
قلت: وهو رد ظاهر لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " صوموا لرؤيته .. ".
يكون هذا ردًا - وفقك الله - لو كان معه أن شهادة فلان بن فلان برؤية الهلال شهر كذا من سنة كذا حقٌ ... أو ربما كان ردًا لو قال القائل: لا نأخذ بالرؤية البصرية في إثبات دخول الشهر وخروجه ... ونستعيض عنها بالحسابات الفلكية.
وما زال قضاة الإسلام يردون الشهادة تلو الشهادة لأمر عنّ لهم اقتضى دفعها وردها ... فهل هم بهذا مصادمون ورادّون لشرع الله في الأخذ بشهادة الشهود لإثبات الحقوق ... ؟
... فاعتبار أن الحسابات الفلكية قطعية يقينية منذ عهد البابليين والهنود ... يقتضي أن لا يحيل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثبوت الهلال إلى الرؤية لو كان الأمر كذلك ....
هذا لا يلزم ... إلا إذا كان المصطفى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان بين ظهراني تلك الأمم ... ولكانه كان بين ظهراني أمة أمية كما ذكر ... فأحالهم على ما يعرفون ... وأومأ إليهم إلى الإنتباه لما لا يعرفون ...
ولدعا إلى ضبط معرفة الحسابات الفلكية، فإن ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب، فلما صرف هذا الثبوت إلى الرؤية دل على أنها هي المعتبرة، فتأمل ..
وكذلك كان ... فقد أومأ إليهم إلى علة عدم الأخذ بالحسابات ... وذلك أنهم أمة أمية لا يكتبون ولا يحسبون ... فهل جاء المصطفى الكريم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليخرجنا من الأمية أم ليبقينا فيها؟
واختر - رعاك الله - أي معاني الأمية تريد ... فإن قلت: أراد بالأمة الأمية التي لا تعرف الكتابة والقراءة ... قلت: فهي اليوم من أعرف الناس بهما وبالحساب كذلك ... - فلدينا أمة بتحسبها وهي طائرة (ابتسامة لتلطيف الأجواء) وإذا قلتَ: المراد الأمة التي ليس لها كتاب سماوي ... قلت: قد أنزل الله إليها كتابا مهيمنا على كل الكتب ... فماذا بقي لها من الأمية؟
ثم لله درُّ كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذ قال: ..... .... .... .
كلام شيخ الإسلام - رحمه الله - يتعلق بالإثبات ... والإثبات في هذه المسألة له شأن غير النفي ... وحديثنا جله عن النفي ... ومعارضة الحسابات الفلكية اليقينية للرؤية المدعاة خطأ.
و الحديث عن الأخذ بالحسابات يطول وهو ذو ذيول لا مجال لبسطها ...
وما أدري لمَ عدل أخونا الشيخ الألفي إلى إضفاء صفات الإمامة للسبكي في هذا الموضع، بقوله: العلامة .. شيخ الشافعية .. من نفائس شيخ الشافعية ...
وهو من هو في علوم الآلة وفقه المذهب، لكن لا ينبغي نسيان حاله في الاعتقاد وانحرافه عن منهج السلف وعدائه لشيخ الإسلام، وما نحن بصدده متعلق بقضية عظيمة، وهي منهج المسلم في التلقي والاستدلال. .
كل الأوصاف من باب احترام أهل العلم ... ليس غير ... ولا تعني بحال موافقة العلامة السبكي الكبير في مخالفته للمنهج السلفي الحق ... والإمام السبكي - رحمه الله - له أعذار في وقوع تلك المخالفات منه لعل الله يعفو عنه بسببها ...
ومن ردّ شهادة من أخطأ من الشهود لريبة أو أي قرينة معتبرة ما خالف المنهج السلفي الحق ... بل هو على الجادة إن شاء الله.
فالمسلم الذي يقف عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته" ثم تعتبر الأمة برؤيته، كما اعتبر النبي صلى الله عليه برؤيته، هل يقال فيها إنها مخطئة؟!.
إذا قامت الأدلة النيرة على خطأ شهادة مّا تردّ لا محالة ... وهذا هو المنهج السلفي ... وهو مقتضى اتباع الرسول الكريم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ... وهذه العلوم الكونية قامت الأدلة المتتابعة على أن دلالتها قطعية يقينية فإذا اتفق أهلها أو جلهم على أن هذه الشهادة مخطئة ينبغي أن تردّ ... ومن يقوم بذلك من علماء المسلمين أو قضاتهم لم يخرج عن مقتضى الشريعة بحال ... ومن تمعن في قراءة كتب الأحكام .. وكتب القضاء وشروطه وآدابه ... وخاصة كتاب العلامة ابن القيم " الطرق الحكمية ... " أدرك هذا الأمر بجلاء ...
ودعوى توهيم الثقات ممن يثبتون رؤيته ويقسمون بالله تعالى على ذلك، ويثبته قاضي المسلمين ويفتي به مفتيهم ... دعوى توهيمِ أو ردِّ ذلك كلِّه يرفع الثقة بالمسلمين، ويشكك الناس بعدالتهم.
فالصحيح: الرؤية من الثقة على الوجه المعتبر، والله أعلم.
أعطنا رؤية على الوجه المعتبر شرعا ... وستجدنا معك على الجادة ... هنا الخلاف - رعاك الله - ... هلا سألت نفسك سؤالا: لماذا تقول: على الوجه المعتبر ... أما كان يكفي أن تكون رؤية من ثقة؟
وإذا كان ردّ القضاة لشهادة أي شاهد مّا ... في أي قضية يعدّ رفعا للثقة بالمسلمين ... وتشكيكا للناس بعدالة الشهود جملة ... أو يشكك في عدّ الشهادة سببا لإثبات الحقوق ... إذا كان ذلك كذلك ... فليكن ردّ قاض من القضاة لشاهد أو شاهدين أو أربعة ادعو رؤية الهلال في وقت تحيل فيها علوم الفلك استحالة ذلك = ليكن ذلك توهيما للشهود وتشكيكا للأمة في سبب وضعته الشريعة لإثبات الحقوق ...
وهنا قضية ... وهي إذا حكم الحاكم الشرعي بثبوت الشهادة ... فليس لنا إلا الإلتزام بحكمه ... وقد رفع عنا الخطأ ... ولكن ذلك لا يمنعنا من إبداء الرأي، والدعوة إلى اتباع الصواب أنى حلت ركائبه ...
¥