[قل لي كيف تمشي، يقل لك القرآن من أنت!]
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[10 - 09 - 07, 07:51 ص]ـ
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين .. وعلى آله وصحبه أجمعين.
اعلم أن"المشي" هو:
الانتقال من مكان إلى مكان بإرادة ... كما قال الراغب ..
وقد احتفظ القرآن بهذه الدلالة الأصلية لكنه أغناها بدلالات إيحائية مختلفة:
أولا: المشي أداة للتصنيف:
جعل الله أسلوب المشي وصفا فارقا بين الأبرار والفجار، وعلامة معتبرة يستأنس بها لتصنيف الطبقات ...
فثمة مشية مؤمنة ...
ومشية كافرة ...
ومشية فاجرة ..
-فأما المشية المؤمنة فسير هين على الأرض:
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً} الفرقان63
فكأن المؤمن مشفق على الأرض الجماد نفسها فلا يؤذيها بالضرب برجليه، بله أن يؤذي الأحياء .. !!
وانظر إلى هذا التناغم والتشاكل بين "هونا" و"سلاما": سلوكهم هو هو لا يختلف. فمشيهم على الأرض وإن كانت جمادا، مثل قولهم للناس وإن كانوا جهالا!
-أما مشية الكافر فنقيض مشية المؤمن هي ضرب شديد على الأرض كأنه لعدوانيته يريد خرقها:
{وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} الإسراء37
يصور البيان المعجز هنا صورة المشي المرذول حتى ليقارب المسخ:
فالرجل يجعل من جسمه شقين لكل شق مسلك:
الشق السفلي في اتجاه إلى الأرض يهوي ضربا ..
الشق العلوي في اتجاه إلى السماء يتطاول تكبرا ...
فيقال له:هون عليك فلا شقك السفلي بمستطاعه خرق الأرض ولا شقك العلوي بمقدوره أن يطاول الجبال!!!
-أما المشية الفاجرة فهي المشية المصاحبة بالصلصلة والوسوسة والغنج والدلال ..
"وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ"
هذه مشية أخرى لكنها سعي في الفتنة وفي الناس شهوات، وفتح لباب الفحشاء وفي الناس ضعف ..
ولك أن تلاحظ أمرا:
عباد الرحمن يمشون هونا رغبة في التخفي ومقصودهم أن يمروا إلى أغراضهم ..
أما الكفار والفجار فيضربون بأرجلهم ومقصودهم الإعلان عن أنفسهم "نحن هنا" ...
فيقول الكافر برجليه " أنظروا، أنا أقوى" ...
وتقول الفاجرة برجليها:" ألا ترون أنني أجمل"
نعم، إنها لغة الأرجل!!
ثانيا:
المشي أداة للحجاج:
المشي في مواضع أخرى من التنزيل يتخذ صبغة جدالية:
-جدال بالباطل:
{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً} الفرقان7
فهؤلاء المشركون يرون" المشي في الأسواق" دليلا على البشرية .. ولما كانت الرسالة عندهم لا ينبغي أن تتلبس بالبشرية فقد أنشؤوا الحجاج التالي:
أنت تمشي في الأسواق إذن أنت بشر إذن لست نبيا ...
تهافت!
-جدال بالحق:
{أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ} الأعراف195
المشي هنا من موازين الكمال ... فمن يمشي أكمل ممن لا يمشي .. لذلك أقيمت الحجة على المشركين:
كيف تعبدون أصناما لا تستطيع المشي؟
أنتم عندكم أرجل للمشي،وأيد للبطش، وأعين للإبصار، وآذان للسمع،فانتم بالتأكيد أحسن حالا من آلهتكم التي تدركون جيدا أنها جماد ليس لها من تلك الصفات شيء ... فكيف رضيتم بمعبود هو أقل منكم وأخس!!
حجة قاطعة.
ثالثا:
المشي أداة للمفاضلة والمفاصلة.
يعرض البيان المعجز اختلاف أحوال أهل السعادة وأصحاب الشقاء من خلال اختلاف منهج المشي:
{أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} الملك22
{أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} الأنعام122
فالمشي المستقيم عنوان الاهتداء والتخبط أو التوقف عنوان الضلال ..
أنظر إلى هذا المثل البديع المضروب للمنافقين:
كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ..
تذبذبهم بين الإيمان والكفر تجسد حسيا في هذا المشي المتقطع.
إيمانهم يتخلله الكفر،فليكن مشيهم يتخلله التوقف.!
ـ[أبو عبدالله الزبير]ــــــــ[12 - 09 - 07, 05:17 ص]ـ
بارك الله فيك أخي أبو عبد المعز
يقول الله سبحانه وتعالى لعباده الصالحين ومرشداً لهم عن مشية المؤمن:
" واقصد في مشيك واغضض من صوتك ان انكر الاصوات لصوت الحمير " لقمان 19
وقد جائت كلمة اقصد في التفاسير بمعنى:
(ابن كثير): أي امش مشياً مقتصداً ليس بالبطئ المُتثبط ولا بالسريع المُفرط بل عدلاً وسطاً بين بين.
(الجلالين): توسط فيه بين الدبيب والإسراع وعليك السكينة والوقار.
(الطبري): وتواضع في مشيك إذا مشيت ولا تستكبر ولا تستعجل ولكن اتئد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
(القرطبي): واقصد في مشيك أي توسط فيه. والقصد ما بين الإسراع والبُطء ; أي لا تدب دبيب المُتماوتين ولا تثِب وثب الشُّطار.
¥