تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبالتالي فلا يستغرب أن تصدر الاستنكارات والانتقادات على قرارات الرؤية داخل بلادنا وخارجها. كما لا نستغرب تزعزع الثقة بالقرارات الصادرة من تلك الجهة فيما يتعلق بإثبات دخول الشهر أو خروجه بالنسبة لمن كان خارج بلادنا أو داخلها.

ولا يضيرنا ذلك لو أخذنا بوسائل العلم المتاحة لدينا والتي هي الآن حجة علينا بعد أن تغيرت أحوالنا من الجهل إلى العلم ومن الأمية إلى القدرة على الكتابة والقراءة والحساب والإدراك والنظر فنحن حينما نقول باعتبار وقت ولادة الهلال قبل غروب الشمس أو بعده ونعلق حكم سماع الشهادة بالرؤية على ذلك فإننا نأخذ بالشرع ونثبت عليه ونأخذ بأسباب قبول الشهادة وموانع ردها، وهذا والله هو الشرع، فمن أهم قبول الشهادة انفكاكها عما يكذبها .. فأي الفريقين أحق بالأخذ بالشرع والثبات عليه؟

ولعل سماحة شيخنا يقول: إنكم تقولون برد شهادة من يشهد برؤية الهلال. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته). وهذا هو مخالفة الشرع وعدم الأخذ به.

وإذا قال هذا، قلنا لسماحته إننا لم نرد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاشانا ذلك والحمد لله ولكننا نقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بقبول الشهادة المنفكة عما يكذبها، أما الشهادة الموصوفة بما يبطلها فقبولها منكر شرعاً وعقلاً وقضاءً وإفتاءً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعلل الأخذ بقبول شهادة من يشهد بالرؤية بوساطة الوسائل المبذولة للجميع بقوله: إننا أمة أميَّة لا نكتب ولا نحسب إلى آخر الحديث، فمتى تغير هذا الوصف عن أمتنا تعين علينا الأخذ بما يكون أكثر ضبطاً وإتقاناً.

والأمة الإسلامية الآن تغيرت وانتقلت من محيط الأمية إلى محيط العلم المختلفة ميادينه فأصبحت تكتب وتحسب وتدلي بدلوها في جميع مناحي العلم من طب وهندسة وفلك وفلسفة وفي جميع مجالات التقنية والطاقة فعسى الله أن يهيئ لإخواننا أسباب النزول إلى ميادين الحياة العامة لتكون مرجعيتهم لإخوانهم عن كَثَبٍ وتصورِ حالٍ وميدان مشورةٍ ونظر امتثالاً لقوله تعالى: {أَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} وقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}.

ونحمد الله يا أبا محمد على أن إخوانك ملتزمون بجماعة المسلمين ومن المعلوم أن جماعة المسلمين ليسوا فئة خاصة بجهة معينة ومكان محدود بل جماعة المسلمين منتشرون في أرض الله وكلهم ينادون بالاستفادة من العلم فالله تعالى يقول وقوله الحق: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) وقد ذكر هذه الآية الكريمة ختاماً للفتهِ النظر إلى آيات الله ومخلوقاته وعجائب تكوينه ونخشى أن يكون التخلف عن الأخذ بما عليه المسلمون من الاعتراف بالعلم والنهل من مناهله وينابيعه نخشى أن يكون التخلف عن ذلك اعتزالاً عن جماعة المسلمين وشذوذاً عما عليه المسلمون وبعداً عن الالتزام بما عليه المسلمون.

وأما الوصية بتقوى الله فهي وصية الله لعباده ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم لأمته وليس أمامنا تجاه ذلك غير السمع والطاعة والانقياد والقبول وكما وجه سماحته إخوانه إلى تقوى الله فإن إخوانه يبادلونه النصح بذلك.

وبعد، فيا سماحة الشيخ -حفظك الله- ما وجه القول بأن الاستعانة بعلم الفلك فيما يتعلق بولادة الهلال مخالف للشرع.

نحن نقول ويقول إخوانك علماء الإسلام في البلدان الإسلامية الأخرى بضرورة الالتزام بما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته). ولاشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالأخذ بالرؤية الصحيحة المنفكة عما يكذبها، أما الشهادة المتعلقة بما يكذبها فهي رؤية باطلة والشهادة بها مردودة.

بيان هذا إذا قرر علم الفلك أن الهلال آخر الشهر لا يولد إلا بعد غروب الشمس، وجاء من يشهد برؤيته فهذه الشهادة باطلة إذ كيف يُرى بعد غروب الشمس ويغيب بعدها، والحال أنه متقدم عليها نحو الغرب وهي متأخرة عنه نحو الشرق؟

أما إذا كانت الولادة قبل غروب الشمس بمعنى أن الشهر قد بدأ فلكياً ولكن لم يُر الهلال فيجب الأخذ بالتوجيه النبوي امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، وهذا يعني أننا نأخذ بالحساب الفكلي فيما يتعلق بالنفي ونأخذ بالتوجيه الشرعي فيما يتعلق بالإثبات.

وأخذنا بالحساب الفلكي فيما يتعلق بالنفي هو أخذ بالمقتضى الشرعي حيث إن دعوى الرؤية والحال أن الشمس غربت قبل ولادة الهلال دعوى باطلة فهي شهادة لم تنفك عما يكذبها فلا اعتبار لها ويجب ردها. وبهذا يتضح لمريد الحق والنَّصف أن الأخذ في إثبات دخول الشهر بالحساب في حال النفي وبإثبات دخول الشهر بالرؤية في حال الإثبات هو أمر متفق مع المسالك الشرعية والنصوص الصحيحة.

أقول هذا وأذكر سماحة شيخنا أن حسابي المرتبط بولادة الهلال وذلك لشهر رمضان وشهر شوال وشهر ذي الحجة متفق مع الرؤية الشرعية لأهلة هذه الشهور الثلاثة وما صدر من المجلس من قرارات إثبات حيث إن أهلة رمضان وشوال وذي الحجة مولودة قبل غروب شمس آخر يوم من كل شهر والحمد لله على توفيق الله للمجلس في ذلك، حيث إن الحساب الفلكي لهذه الشهور الثلاثة متفق مع الرؤية الشرعية لهذه الشهور ولكن ساءنا من سماحته القول بأن الفلكيين مختلفون فيما بينهم والحال أن الإجماع بينهم منعقد على الاتفاق على لحظة ميلاد كل شهر. والاختلاف بينهم فيما يتعلق بإمكان رؤية الهلال بعد غروب الشمس والحال أنه مولود قبل غروب الشمس ونحن لا نقول بذلك بل متى ولد الهلال قبل غروب الشمس وجاء من يشهد بالرؤية فتقبل شهادته إذا كان عدلاً. لانفكاك الشهادة عما يكذبها حساً وعقلاً وعلماً. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولإخواني ولشيخنا الجليل، ونأمل أن يتسع صدره لهذه المداخلة وإن لم يتسع فليتسع، فالحق أحق أن يتبع والله المستعان.

عبدالله بن سليمان المنيع

عضو لجنة تقويم أم القرى


وهو أيضا عضوء في هيئة كبار العلماء.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير