مما لا شك فيه ولا جدال ان فقه ائمة اهل البيت عليهم السلام يمثل التشريع الاصيل الذي جاء به الاسلام والرسول الاعظم (ص)، وهو يحمل من عناصر الحيوية والاصالة والعمق والشمول مما يجعل منه مادة تشريعية وقانونية غنية وخصبة لا يمكن تجاهلها.
الا ان الذي يؤسف له هو عدم منحه مساحة مناسبة في الاعمال الموسوعية المتقدمة لابراز عمقه ومكانته، بل ان الموسوعة الكويتية تجاهلته تجاهلا كاملا، ولم تضعه في عداد بقية المذاهب الرئيسية الاخرى فيما ذكرت لها من آراء واقوال.
وعلى هذا فقد بقي الفقه الامامي يتطلع الى عمل من هذا القبيل يبرز اهميته وعظيم شانه، وذلك بافراد موسوعة فقهية خاصة به تسفر عن مكنون جواهره ودقائقه واسراره، فليس الشان في هذا الفقه كسائر المذاهب الاخرى، بل هناك من الخصائص ما يجعله يمتاز ويتفوق على سائر المدارس الفقهية الاخرى:
منها: عراقته وكونه من النبع الصافي والمصدر الامين الذي عينه الرسول الاعظم (ص) للامة الاسلامية وهم ائمة اهل البيت عليهم السلام اعدال الكتاب، وعترة النبي (ص) مما يعني انه يجسد التشريع الواقعي الذي بلغه صاحب الرسالة من دون اعمال الآراء والاجتهادات فيه.
ومنها: عمقه وشموليته لجميع الوقائع التي استجدت بعد عصر الرسالة، والدليل الذي يتكفل بتكييف هذه الوقائع فقهيا هو النص، وليس القياس او الراي او غيرهما.
ومنها: انفتاح باب الاجتهاد واستمراره بعد عهد الغيبة على يد اكابر الفقهاء على ضوء القواعد والاسس التي حكمها ائمة اهل البيت عليهم السلام، مما انتج حيوية وتفاعل هذا الفقه مع الحياة وتطوراتها، ومنحه القدرة للاجابة على كل ما يستجد ويحدث.
دائرة معارف الفقه الاسلامي طبقا لمذهب اهل البيت
عليهم السلام:
لقد اضحى امر تدوين موسوعة فقهية طبقا لمذهب اهل البيت عليهم السلام من الضرورات التي لا مناص عنها، وانها مسؤولية عظمى تضع نفسها اليوم بين يدي من يريد العزة والخير للفقه ومعارفه، لصونه وحفظه كما صانه الفقهاء العظام من قبل وتحملوا مسؤولياتهم تجاه ذلك لنكون خير خلف لخير سلف، ولنبدا من حيث وقف علماؤنا الاوائل فنتحمل رسالتنا العلمية كما تحملوها في عصرهم وبلغوها بافضل صورة وعلى اتم وجه.
وانا نلاحظ وللّه الحمد ان المرجعية العليا اليوم هي اول من اضطلع وقام بمهام هذه المسؤولية الكبرى، وقد تبلور هذا الاهتمام منها في مجالات ومناسبات عديدة، ياتي في راسها الايعاز بتدوين موسوعة فقهية طبقا لمذهب اهل البيت عليهم السلام.
وذلك من خلال تاسيس مؤسسة دائرة معارف الفقه الاسلامي التي تقوم بتحقيق ذلك.
وبالطبع فان الامر بتاسيس مثل هذه المؤسسة امر يحمل معه مبرراته الموضوعية; اذ ان مهمة بهذه الضخامة تعجز عنها الجهود الفردية او هي محكومة بالمحدودية والقصور .. وعليه، ففي الوقت الذي يحتاج مثل هذا المشروع الى نخبة كفوءة ومقتدرة لانجاحه، فهو بحاجة ايضا الى متسع من الوقت لدراسة مراحل العمل اللازمة، ومن ثم تطبيقها بشكل دقيق للاقتراب من الغاية النهائية; فان استعجال النتائج في مثل هذه المشاريع امر لا يحمد عقباه.
وليس هذا بدعا من التفكير او ضربا من الخيال والتهويل، بل هذا ما يدركه ذوو التجربة والدربة اكثر من غيرهم .. واليك نموذجا من كلام بعض من خاض غمار هذه التجربة. فقد جاء في مقدمة الموسوعة الكويتية: «ان مشروع الموسوعة الفقهية ذو طبيعة خاصة يختلف فيها عن غيره من مشاريع الخدمات العلمية او العملية، ذلك لان عناصر انجازه ليست في مقدور فرد او جهة او دولة، بل لابد ان يشترك فيه اصحاب الاختصاص في العالم الاسلامي، فيتعاونوا على المستوى المطلوب من حيث الانتاج كمية وكيفية وزمنا. وفي مثل هذه الامور يكون التحكم في عنصر الوقت غير مقدور عليه.
ولابد لنجاح هذا المشروع وامثاله من الاناة والصبر وسعة الافق، مادامت الاسس التي يجري عليها صحيحة، ومن شانها اعطاء النتائج المرجوة، ليخرج الانتاج بالصورة المنشودة التي لا يهدر فيها الاتقان استعجالا للزمن، كما ان مثل هذا المشروع لا يتناسب الزمن فيه مع مظاهر الانتاج لكثرة ما يبذل في تكوين اسسه واعداداته الاولية».
¥