تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و كذلك من الفرق الضالة المعاصرة فرقة القرآنيين المنكرة للسنة، و قد تتبع العلماء شبهاتها وردوا عليها بالبرهان، و لم يقل أحد مثلك (لا نحتاج أن ننظر في شبهته) على حد علمي!!

فهذا القول لم يسبقك إلى العمل به أحد فيما أعلم (ابتسامة).

وإنما الإشكال أن هذا الفهم المعين الذي يفهمه المتأخر من هذا النص أو ذاك إذا لم يكن مؤيدا بفهم السلف فهو فهم باطل، وهذا معنى قولنا (الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح)، وإلا فلكل من هب ودب أن يفهم ما شاء كما يشاء من أي نص شاء!

فهوم السلف ليست من الذكر الذي تكفل الله بحفظه، و لذا فمن المحتمل ألا يُحفظ الفهم الصحيح في مسألة ما أو في معنى آية، و قد ضربت لك مثلا كيف أن ما وصلنا عن السلف ينفي صفة الكروية عن الأرض عند تفسير الآيات الواصفة للأرض، و أنت أمام خيارين إما أن تقول أنهم جميعا أخطأوا في فهم الآيات، فتكون قد خالفت نفسك، و إما أن تقول أن هناك من أصاب في فهمها و أدرك كروية الأرض و لكن فهمه لم يصلنا، فتقر أن الله لم يتكفل بحفظ فهوم السلف. و إنما تكفل بحفظ الذكر وحده.

و عدم التقيد بفهوم السلف لا يعني أن الباب مفتوح لكل من هب و دب ليفهم ما يشاء، لأن فهمه مقيد بلغة العرب و مقيد بالنص على إطلاقه، فإن أخطأ رجعنا إلى اللغة و النص لنرد قوله.

وليس قول القائل: إنهم جميعا أخطئوا في نقل النص بأولى من قول القائل: إنهم جميعا أخطئوا في فهم النص.

قد تكفل الله بحفظ النص و لم يعصم من نقلوه من الخطأ في الفهم، و قد نقل الأخ محمد بن بركة من النصوص ما يثبت ذلك.

وإذا أراد الإنسان أن يعرف تفسير آية من كتاب الله عز وجل، فنظر في جميع التفاسير مثلا فوجدها متفقة على معنى من المعاني، فإذا أراد إنسان بعد ذلك أن يفسر الآية بما لم يسبق إليه فإما أن يكون تفسيره هذا باطلا وحينئذ لا إشكال، وإما أن يكون تفسيره حقا، وحينئذ لا تحصل ثقة القارئ إذا نظر في نحو مائة تفسير!! ويظل في شك أنه لم يعرف مراد الله عز وجل من هذه الآية لاحتمال أن القول الصحيح بخلاف هذه التفاسير جميعا؟!

القول الصحيح هو القول المستند إلى الدليل، و هذا المثل غير واقعي، و لا يحدث إلا لمن ألغى عقله، و أعرض عن النظر في الدليل، و لم يتدبر القرآن، و هذه ليست من صفات المؤمنين.

والأخ نصر الدين استدل بقوله تعالى: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}، فنقول له:

ما معنى (هاتوا)؟ وكيف تثق أن هذا المعنى صحيح؟ وإذا جاءك من يخالفك في هذا المعنى فكيف ترد عليه؟

وما معنى (برهان)؟ وكيف عرفتَ هذا المعنى؟ وكيف تيقنتَ أنه المعنى الصحيح؟

وإذا جاءك من يقول: بل معناه (هاتوا قول من سبقكم إن كنتم صادقين؟) فماذا ستقول له؟

تيقنت من المعنى الصحيح ليقيني أن الله تعالى قد تكفل بحفظ اللغة التي لا سبيل لحفظ الذكر بدون حفظها، و أعتقد أن هذه المحاولة للتشكيك في حفظ الله تعالى للغة لا طائل من ورائها.

و لو جاءني من يقول أن المراد بالبرهان هو قول من سبقنا، فمن سبقنا أيضا مطالبين بالبرهان، إذ لم يختصنا الله تعالى بالمعنى في الآية دونهم، و على من سبقنا أن يأتوا بقول من سبقهم،و هكذا سنعود في النهاية إلى النص وحده، فيكون هو البرهان.

و الأدلة النقلية على ذلك كثيرة .. و منها قوله تعالى (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) و منها قوله تعالى (فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين) فبرهان الصدق هو الكتاب بنص الآية، وهو المبين لأي مسألة خلافية و البيان هو البرهان.

و انظر:

(ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء)

(وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون)

(وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم)

إذا جاء أحد وضعف مالكا، فهل قوله يحتمل الصواب أو لا يحتمل الصواب؟

إن قلت (يحتمل الصواب)، فلا مجال للنقاش معك، وإن قلت: (لا يحتمل الصواب)، فقد اتفقنا في المعنى وإن لم نتفق على اللفظ.

وأنا لا أعني بكلامي أنه لا يمكن الرد عليه، فمن المؤكد أن شبهاته يمكن الرد عليها، ولكن المراد معرفة هل يمكن أن يكون الحق معه أو لا؟

لو لم نرد شبهاته، فلا حجة عندنا عليه، و لا حجة عندنا على من صدقه، فلا حجة بدون برهان، نحن لا نتحدث عن احتمال صوابه، و لكن نتحدث عن إقامة الحجة عليه و على من اتبعه. و هذه الحجة ليست تلك الجملة السهلة (لم يسبقك إلي هذا القول أحد) لأننا ببساطة لا يمكننا الجزم بالوقوف أقوال كل أحد في الإمام.

وأما كلامك عن أن حفظ اللغة من حفظ الدين، فكذلك حفظ الفهم الصحيح للدين من حفظ الدين، بل هو أولى على هذا المفهوم.

فكيف يحفظ الله الدين ولا يجعل في الأمة من فهم هذا الدين على الوجه الصحيح؟

و هل أنكرت أن يغيب الفهم الصحيح عن الأمة؟

إنما أنكرت تكفل الله بحفظ الفهم الصحيح في كل المسائل، لأن هذه الفهوم ليست من الذكر. و يمكن الوصول إلى الفهم الصحيح بالرجوع إلى اللغة و النص. فهما المرجع للحكم على الفهم بالصحة أو البطلان.

سبق و طالبتك بالدليل على حفظ الله لكل الفهوم في كل المسائل!

و سبق و سألتك عن فهوم الفقهاء التي لم يسبقهم إليها أحد من عصر الصحابة!

و حفظ الفهوم ليس كحفظ اللغة، لأنه بدون اللغة لن يكون الذكر ذكرا، بل سيتحول إلى طلاسم غير مفهومة و لا محفوظة، فالفرق بينهما ظاهر كالشمس.

و بارك الله فيكم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير