تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا}، فلله در العمرين رضي الله عنهما. والألطف من هذا أن فقهاءنا تكلموا في ما هو أدق من ذلك، وجعلوه من مباحث الفقه المشهورة. فقد سئل إمامنا مالك عن النمل يؤذي السقف، فقال:" إن قدرتم أن تمسكوا عنها فافعلوا، فإن أضرت بكم ولم تقدروا على تركها فأرجوا أن يكون من قتلها في سعة" الجامع لابن أبي زيد {ص24}. فواعجبا من هذا الشعور النبيل والإحساس الراقي الرقيق. وما هذا إلا التزام منهم بخطاب القرآن الكريم الذي علمهم أن الحيوانات أمم مثلنا لها علينا حق الإحسان إليها ومراعاة مصالحها.بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية جعل الإحسان إلى البهائم من أنواع العبادة كما في رسالته الموسومة بـ (العبودية) ص4، وهو أمر واضح لمن عرف حقيقتها، ثم إنني وقفت على كلام يحسن إيراده،وهو جزء من مبحث طريف للشيخ الكتاني في التراتيب الإدارية {2/ 152} فقد قال بعد أن نقل من كلام الشيخ أبي علي ابن رحال المالكي رحمه الله نقولات طيبة: "فإن أبا علي جلب وحطب من الأنقال في المسألة ما يسوغ لنا أن نجعله في طليعة جمعيات الرفق بالحيوان العجم يتخذونه قدوة ونعم الأسوة وإنما أطلت القول هنا لتعلم أن أهل الإسلام قبلُ بقرون تفطنوا لما تظاهرت به الآن جمعيات الرفق بالحيوان في أروبا فخذه شاكرا ".

قلت: ظهرت أول حركة تدعو إلى الرفق بالحيوان سنة 1845 ميلادي في باريس في شكل جمعية تسمى: الجمعية المدافعة عن الحيوانات ( SPA) Société protectrice des animaux. ثم أصدرت مجموعة من الدول الإعلان العالمي لحقوق الحيوان بدار اليونسكو بباريس أيضا وفيه مجموعات من التوصيات لم ترق إلى مستوى القوانين. وقد سبق الإسلام هذا الإعلان وما يحوم حوله إلى الأمر بالرفق بالحيوان والنهي عن تعذيبه والإساءة إليه بزمن طويل جدا، فسبق إلى الأمر بالإحسان إلى الذبيحة كي لا تحس بالألم، وبعد أربعة عشر قرنا، أوصى بذلك الإعلان العالمي لحقوق الحيوان في الفصل الثالث. فتأمل وكن منصفا.

وقد لخص الإمام ابن عبد البر المالكي رحمه الله في الكافي مذهب الإمام مالك في الرفق بالحيوان فقال:" والرفق بالدواب في ركوبها والحمل عليها واجب سنة فإنها عجم لا تشكو وهي من ملك اليمين وفي كل كبد رطبة أجر هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا كان في الإحسان إليها أجر فكذلك في الإساءة إليها وزر وقد شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جمل أن صاحبه يجيعه فأمره بالإحسان إليه أو يبيعه ولا يحمل على الدواب أكثر من طاقتها ولا يضرب وجوهها ولا تتخذ ظهورها كراسي. وقال: ولا يحل حبس بهيمة مربوطة عن السرح والتحريش بين البهائم مكروه ".وهذا من الأمور التي سبق فيها الإسلام الجمعيات الحديثة، ففي فرنسا مثلا يمنع قتل الثيران في حلبات اللعب على الطريقة الإسبانية، واستثنوا المناطق التي جعلت من ذلك تقاليد لا يفرط فيها.! وقال الإمام القرطبي المالكي في الجامع {10/ 73} عند تفسير قوله تعالى {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تاكلون, ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون, وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم}:"في هذه الآية دليل على جواز السفر بالدواب وحمل الأثقال عليها ولكن على قدر ما تحمله إسراف في الحمل مع الرفق في السير وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق بها والإراحة لها ومراعة التفقد لعلفها وسقيها, فالدواب عجم لا تقدر أن تحتال لنفسها ما تحتاج إليه ولاتقدر أن تفصح بحوائجها فمن ارتفق بمرافقها ثم ضيعها من حوائجها فقد ضيع الشكر وتعرض للخصومة بين يدي الله تعالى". ومثله ما سطره الشيخ خليل في الجامع المنسوب إليه فقال: "ويكره تعليق الأجراس والأوتار في أعناق الدواب كمنعها حقها من كلأ وخصب والحرق بها والحمل عليها ما لا تطيق". وهذه الأربعون حديثا كالأصل لما نقلته عن أولئك الأئمة رحمهم الله. جمعتها بلهف. وكتبتها بشغف. فهاهي ذي أجعلها بين يدي كل من وقف عليها، مسلما كان أو غيره، تدل دلالة واضحة على أن الإسلام دين الحق الذي لا ريب فيه، وأنه فرقان الله بين الحق والباطل، وشفاء لما في الصدور، فالحمد لله على النعمة التامة، والشكر له على الهداية. والصلاة والسلام على من أكرم بدلائل النبوة، وسلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير