تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَالْوَهْمِ. فَنُبَيِّنُ لَهُمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَفِي الْأَحْكَامِ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ يُعْلَمُ بِأَدِلَّةِ الْعُقُولِ امْتِنَاعُ ضَبْطِ ذَلِكَ وَيُعْلَمُ بِأَدِلَّةِ الشَّرِيعَةِ تَحْرِيمُ ذَلِكَ وَالِاسْتِغْنَاءُ عَمَّا نَظُنُّ مِنْ مَنْفَعَتِهِ بِمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ إنَّ كَلَامَ هَؤُلَاءِ بَيْنَ عُلُومٍ صَادِقَةٍ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مَنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَبَيْنَ ظُنُونٍ كَاذِبَةٍ لَا ثِقَةَ بِهَا وَأَنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ. وَلَقَدْ صَدَقَ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ الْحَاسِبَ إذَا قَتَلَ نَفْسَهُ فِي حِسَابِ الدَّقَائِقِ وَالثَّوَانِي كَانَ غَايَتُهُ مَا لَا يُفِيدُ. وَإِنَّمَا تَعِبُوا عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْأَحْكَامِ. وَهِيَ ظُنُونٌ كَاذِبَةٌ. أَمَّا الْكَلَامُ فِي الشَّرْعِيَّاتِ فَإِنْ كَانَ عِلْمًا كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِنْ كَانَ ظَنًّا مِثْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ الرَّاجِحِ فَهُوَ عَمَلٌ بِعِلْمِ. وَهُوَ ظَنٌّ يُثَابُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ. آخَرُ مَا وُجِدَ. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ).

واسمعوا تعليق الشيخ مصطفى الزرقا - رحمه الله -عليه تتضح لكم أمور كثيرة: ( ... ثالثًا: إن الفقهاء الأوائل واجهوا أيضًا مشكلة خطيرة في عصرهم، وهي الاختلاط والارتباط الوثيق إذ ذاك في الماضي بين العرافة والتنجيم والكهانة والسحر من جهة، وبين حساب النجوم (بمعنى علم الفلك) من جهة أخرى. فيبدو أن كثيرًا من أهل حساب النجوم كانوا أيضًا يشتغلون بتلك الأمور الباطلة، التي نهت عنها الشريعة أشد النهي، فكان للقول باعتماد الحساب في الأهلة مفسدتان:

الأولى: أنه ظني من باب الحدس والتخمين مبني على طريقة التعديل التي بينّا معناها، فلا يعقل أن تترك به الرؤية بالعين الباصرة رغم ما قد يعتريها من عوارض واشتباهات.

الثانية: وهي الأشد خطورة والأدهى، وهي انسياق الناس إلى التعويل على أولئك المنجمين والعرافين الذين يحترفون الضحك على عقول الناس بأكاذيبهم، وترهاتهم، وشعوذاتهم.

وهذه المفسدة الثانية هي التفسير لهذا النكير الشديد الذي أطلقه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- على من يلجئون إلى الحساب، حساب النجوم في إهلال الأهلة بدلاً من الرؤية، واعتباره إياهم من الذين يتبعون غير سبيل المؤمنين، وذلك بدليل أنه صرح باعتبارهم من قبيل العرافين، والذين يربطون أحداث الأرض وطوالع الناس وحظوظهم بحركات النجوم، وسموا من أجل ذلك بالمنجمين، وذكر شاهدًا على ذلك الحديث النبوي الآنف الذكر، وهو قوله -عليه الصلاة والسلام-: "من اقتبس علمًا من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر".

فلا يعقل أن ينهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن علم يبين نظام الكون، وقدرة الله تعالى وحكمته وعلمه المحيط في إقامة الكون على نظام دقيق لا يختل، ويدخل في قوله تعالى في قرآنه العظيم: (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)، فليس لهذا الحديث النبوي محمل إلا على تلك الشعوذات والأمور الباطلة؛ التي خلط أولئك المنجمون بينها وبين الحساب الفلكي، الذي لم يكن قد نضج وبلغ في ذلك الوقت مرتبة العلم والثقة.

رابعًا: أما اليوم في عصرنا هذا الذي انفصل فيه منذ زمن طويل علم الفلك بمعناه الصحيح عن التنجيم بمعناه العرفي من الشعوذة، والكهانة، واستطلاع الحظوظ من حركات النجوم، وأصبح علم الفلك قائمًا على أسس من الرصد بالمراصد الحديثة، والأجهزة العملاقة التي تكتشف حركات الكواكب من مسافات السنين الضوئية، وبالحسابات الدقيقة المتيقنة التي تحدد تلك الحركات بجزء من مئات أو آلاف الأجزاء من الثانية، وأقيمت بناء عليه في الفضاء حول الأرض محطات ثابتة، وتستقبل مركبات تدور حول الأرض ... إلخ .. فهل يمكن أن يشك بعد ذلك بصحته ويقين حساباته، وأن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير