وأما الرصد عن طريق مراصد الليزر أو المراصد الرادوية، فيكون غير الرصد البصري، وهذا يوقعنا في إشكالية القبول بها شرعا، هذا عدا أن هذه التقنية لا تستخدم للقمر وهو قريب من الأفق لخطورة أشعة ليزر على البشر، ولتشتت الأشعة الرادوية بسبب الاتصالات البشرية وغيرها من المؤثرات.
وخلاصة القول: إن الاستعانة بالمراصد الفلكية في رصد الهلال غير ممكن
حاليا حسب الإمكانيات الموجود عالميا، إلا في حالات يمكن للعين البشرية
أن ترى فيها ببساطة.
ملاحظة: يظن البعض أن المرصد الفلكي البصري يمكنه الرؤية خلال الغيم، وهذا محال علميا. ولكن يمكن الرصد في نطاقات غير النطاق البصري على أن يكون على القمر أجهزة تبث في هذا المجال، وهنا يصبح صعبا رصد الهلال عندما يكون قريبا من الأفق بسبب التشويش الكبير هناك، ومن المعلوم أن رصد الهلال يكون عادة وهو قريب من الأفق، بعد غروب الشمس) ا. هـ كلامه
أما حكمها في الشرع الشريف:
فقال العلامة المحقق عبد العزيز بن باز - رحمه الله -:
(أما الآلات فظاهر الأدلة الشرعية عدم تكليف الناس بالتماس الهلال بها، بل تكفي رؤية العين، ولكن من طالع الهلال بها، وجزم بأنه رآه بواسطتها بعد غروب الشمس وهو مسلم عدل فلا أعلم مانعاً من العمل برؤيته الهلال؛ لأنها من رؤية العين لا من الحساب). وقال: (إن استعان به فلا بأس، ولكن العمدة على رؤية العين) ا. هـ من مجموع فتاويه (15\ 69).
الثلاثون: في بيان إمكان رؤية الهلال حتى وإن قطع الحاسبون الفلكيون بتعذرها:
قال الشيخ بكر أبو زيد: (الحساب يدخله الخطأ كثيراً).
[مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الثالث لعام 1408هـ (2\ 821)]
قلت: إذا خالف الحسابُ الرؤيةَ البصرية الشرعية فإن الفلكيين يضعون سبع احتمالات ذكرها د. محمد بخيت المالكي - دكتوراه في الفلك من جامعة جلاسكو- في بحثه السابق ذكره ومنها: (الاحتمال السابع رؤية الهلال: وفي هذه الحالة ليس أمام الحاسبين إلا أن يقبلوا بأن هناك عوامل لم يضموها لحساباتهم الفلكية، والأمر لا يسلم من الخطأ. وكما يعلم الجميع أن العلم قام على الملاحظة (مثل حركة القمر)، ثم من مجموعة ملاحظات تُوضع نظرية حسابية معينة كقاعدة حسابية لهذه الملاحظات (الأرصاد)، ومن هذه النظرية الحسابية نخرج بتوقعات لأرصاد مستقبلية (الهلال للأشهر اللاحقة)، والتي نتأكد منها بأرصاد لاحقة، وأي خطأ في التوقعات الحسابية يؤدي لتصحيح للنظرية وهكذا تستمر الدورة التطويرية للنظريات. وفي حالتنا هذه إذا ناقضت الأرصاد الحسابات، فيكون علينا مراجعة وتصحيح حساباتنا والأخذ بالاعتبار العوامل التي قد نكون قد أهملناها، والله أعلم.
ومن مكامن الخطأ المحتملة، آثار الغلاف الجوي بنسبة عالية -حيث أن حركة القمر خارج الغلاف الجوي مُتأكد من صحة حساباتها بدقة عالية كما ذكرنا سابقا-، فقد يُؤثر الغلاف الجوي على شعاع ضوء القمر فيُظهر صورة القمر أعلى مما يتوقع الحاسبون، حسب ظروف البلد الجوية، بسبب ظاهرة الانكسار أو ظاهرة السراب.
ظاهرة السراب: عند السير في الصحراء يتوهم الإنسان رؤية الماء في أماكن متفرقة في الصحراء، وهذا من أشهر أمثلة السراب، والسبب هو اختلاف درجة الحرارة في طبقات الجو المتفرقة. فإذا كانت طبقة الجو العليا أعلى في درجة الحرارة عن الطبقة الأسفل منها، فإن صورة الأجسام التي عند الأفق أو تحته سوف تظهر مرتفعة فوق الأفق ومقلوبة، فظاهرة رؤية سراب الماء السابقة تكون بسبب انعكاس صورة السماء تحت الأفق على الأرض في تلك المواقع.
وهذا ما قد يحدث للقمر الذي يغرب قبل الشمس بنصف ساعة (وتكون فتحته عكس اتجاه الشمس) ستظهر له صورة في السماء على بعد معين حسب أثر الظاهرة ولكن ستكون فتحته أيضا عكس اتجاه الشمس، وحيث أننا مطالبون برؤية الهلال بالعين فلا يهم هل ما يُرى هو صورة الهلال الحقيقي (المتكونة بسبب الانكسار) أم صورة صورة الهلال الحقيقي (صورة الصورة المتكونة من الانكسار). مع ملاحظة أن الشمس ستكون قد سخنت الهواء فوق الأفق، أما الهواء تحت الأفق فسيكون أبرد مما فوقه. هذه الظواهر نحتاج إلى دراستها لمعرفة السبب في الاختلاف بين الرؤية والحساب.
¥