تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قد لا يقتنع البعض بهذا التحليل، وهذا أمر ممكن، مما يجعلنا نتحول إلى المدخل المعرفي الذي قام عليه العلم الحديث ومنه الفلك، ولنجعل ذلك في عدة مسائل محورية. المسألة الأولى أنه لا اتفاق حول ماهية العلم وحده، فلسنا نتوفر على تعريف يفرق بين ما هو علم وما هو ليس بعلم، وهب أننا تجاوزنا هذه الإشكالية، فليس صحيحاً أن نسلّم بأن كل ما يتصل بعلم محدد من الموضوعات الجزئية أو المسائل التفصيلية هو علم، حيث يداخل العلم مسائل تبقى في منطقة الظنيات أو الفرضيات، وهذا ينطبق على المسائل التفصيلية في علم الفلك ومن أهمها في نظري الحسابات الفلكية، ويعني هذا أننا نجابه بإشكالية حدود ذلك العلم على المستوى الكلي والجزئي، ولكنه التعصب أو التحيز المعرفي الذي ينشأ عادة لدى المتخصص - وهم الفلكيين هنا -، ومما يحسن ذكره في هذا المعنى أن أحد كبار العلماء المعاصرين (ريتشارد فريدمان) وهو ممن حصلوا على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1966م يصرح بغموض مفهوم العلم ومعناه فيقول: اشتغلت بالعلم طوال حياتي عارفاً تمامًا ما هو, ولكن الإجابة عن السؤال: ما هو العلم? هو الأمر الذي أشعر أني عاجز عنه!

أما المسألة الثانية: فهي أن العلم الحديث يستهدف تحقيق أربعة من الأهداف: أن يصف الظاهرة (الحادثة)، ويفسرها بإرجاعها إلى عللها وأسبابها، ويتنبأبالظواهر (المستقبلية)، وأن يجعلنا قادرين على التحكم بالظواهر.

والمسألة الثالثة: أن العلم الحديث – كما تقرره فلسفة العلوم الغربية ذاتها - لم يعد قادراً على الوصول إلى حقائق مطلقة أو حتى منتظمة، فظهرت النسبية المطلقة وفشت بين فلاسفة العلم وصنّاعه، كما تم وضع (نظرية الفوضى) والتي تقرر – ضمن نتائجها الهامة – بأن مسألة التوقع أو التنبؤ عملية يشوبها قدر كبير من التعقيد والصعوبة مما يوجب على العلم البشري أن يتواضع فلا يجزم بنتائجه وتوقعاته ومن ذلك ما يتعلق بالمسارات الزمنية، فكيف نجد مسوغاً فلسفياً أو تبريراً منهجياً لمن يتهم بعدم العلمية كل من يشكك بالحسابات الفلكية التي لم تزل مجرد أرقام واجتهادات مبدئية يشوبها الاختلاف والتعارض بين الفلكيين، فكيف نغلّب الظني على اليقني. وأذكر في هذا السياق مقولة مشهورة لأحد المفكرين الغربيين، يقول فيها بأن أسوأ أنواع الكذب ثلاثة هي: الكذب، ثم الكذب الرخيص، ثم الإحصاء (وفي الإحصاء شبه بحسابات الفلكيين)!

المسألة الرابعة: وتتعلق بماذا نقصد باليقين في رؤية الهلال وكيف يتحقق. مَن الذي صنع منهجية العلم الحديث؟، ليس ثمة غير الإنسان، أليس كذلك؟، وقد صنع المنهجية له بغية أن يقوده إلى اليقين أو ما يشبهه، فكيف يمكن لنا أن نتقبل فلسفياً أن يصل العلم الذي شكلناه بأيدينا إلى ما يعارض ما نلمسه ونحسه بها، هذا محال، فكيف يراد لنا أن نزهق حقيقة تراها العيون لمجرد حسابات قد نكون مخطئين في صياغة معادلاتها الرياضية الأساسية أو مخطئين في تغذيتها بالبيانات أو في طريقة الحساب أو في تغييب بعض العوامل الهامة التي لو أُدخلت في المعادلة لربما غيّرت النتائج وقلبت الأمور رأساً على عقب.

المسألة الخامسة: وتتعلق بالإشارة إلى انتفاء العوامل التي قد تؤدي إلى خداع الحواس أثناء عملية الرؤية نظراً لإيجاد الفقه الإسلامي لحزمة من الضوابط المنهجية للرؤية المعتبرة، تتضمن ضوابط حول عملية الرؤية وأخرى حول الرائي، وهذه تحوطات منهجية عجيبة، وهي تناظر إلى حد كبير ما نطلق عليه – في مصطلحات المنهجية الحديثة - الصحة الداخلية والصحة الخارجية ( Internal and External Validity) ، فالأولى تضمن الصحة المنهجية في العملية البحثية والإجرائية نفسها والأخرى تتعلق بمدى إمكانية تعميم النتائج.

وثمة مسألة سادسة تتمحور حول إشكالية لم أجد لها تفسيراً شاملاً مقنعاًً فيما قرأته وهي: أسباب عدم التطابق في رؤية الهلال بين المتراءين للهلال بالعين المجردة والمراصد الفلكية، فهل يعود هذا إلى المترائي أم إلى المرصد؛ سواء من حيث زمن الرصد أو مكانه أم أن ذلك يعود إلى مشكلة فنية أو إجرائية أم إلى مشكلة لم نعرف كنهها بعد، هذا ما يجب التفكير فيه بكل منهجية وتأن وتجرد من قبل جميع الأطراف، وأجزم بأننا سنصل حينذاك إلى تفسير علمي مقنع. هذه المسائل الست يمكن لنا – حال الاقتناع بها – أن نشتق منها إطاراً

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير