قيل: رواية عبد الملك ومن معه عن يحيى بن سعيد , أرجح من رواية حفص بن غياث , لأنهم أتقن وأكثر , وأبعد عن الغلط , ويحتمل أن يكون يحيى سمعه من أخيه , فرواه كذلك , ثم سمعه من عمر , ولهذا نظائر كثيرة , وقد رواه عبد الله بن لهيعة عن عبد ربه بن سعيد عن أخيه يحيى بن سعيد عن عمر , فإن كان يحيى إنما سمعه من أخيه سعد فقد اتفقت فيه رواية الإخوة الثلاثة له , بعضهم عن بعض.
وأما حديث عبد ربه بن سعيد فذكره البيهقي , وكذلك حديث عثمان بن عمرو الخزاعي. وبالجملة: فلم ينفرد به سعد , سلمنا انفراده , لكنه ثقة صدوق , روى له مسلم , وروى عنه شعبة وسفيان الثوري وابن عيينة وابن جريج وسليمان بن بلال , وهؤلاء أئمة هذا الشأن. وقال أحمد كان شعبة أمة وحدة في هذا الشأن , قال عبد الله: يعني في الرجال وبصره بالحديث , وتثبته , وتنقيته للرجال: وقال محمد بن سعد: شعبة أول من فتش عن أمر المحدثين , وجانب الضعفاء والمتروكين , وصار علما يقتدى به , وتبعه عليه بعده أهل العراق.
وأما ما ذكرتم من تضعيف أحمد والترمذي والنسائي فصحيح.
وأما ما نقلتم عن ابن حبان: فإنما قاله في سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري , وليس في كتابه غيره وأما سعد بن سعيد الأنصاري المدني فإنما ذكره في كتاب الثقات وقد قال أبو حاتم الرازي عن ابن معين: سعد بن سعيد صالح , وقال محمد بن سعد: ثقة , قليل الحديث , وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: كان سعد بن سعيد مؤديا , يعني أنه كان يحفظ ويؤدي ما سمع. وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة , تقرب من الاستقامة , ولا أرى بحديثه بأسا مقدار ما يرويه , ومثل هذا إنما ينفي ما ينفرد به , أو يخالف به الثقات , فأما إذا لم ينفرد وروى ما رواه الناس فلا يطرح حديثه.
سلمنا ضعفه لكن مسلم إنما احتج بحديثه لأنه ظهر له أنه لم يخطئ فيه بقرائن ومتابعات ولشواهد دلته على ذلك , وإن كان قد عرف خطؤه في غيره , فكون الرجل يخطئ في شيء لا يمنع الاحتجاج به فيما ظهر أنه لم يخطئ فيه , وهكذا حكم كثير من الأحاديث التي خرجاها , وفي إسنادها من تكلم فيه من جهة حفظه , فإنهما لم يخرجاها إلا وقد وجدا لها متابعا.
وههنا دقيقة ينبغي التفطن لها , وهي أن الحديث الذي روياه أو أحدهما واحتجا برجاله أقوى من حديث احتجا برجاله: ولم يخرجاه , فتصحيح الحديث أقوى من تصحيح السند.
فإن قيل: فلم لا أخرجه البخاري؟ قيل: هذا لا يلزم , لأنه رحمه الله لم يستوعب الصحيح وليس سعد بن سعيد من شرطه , على أنه قد استشهد به في صحيحه , فقال في كتاب الزكاة: وقال سليمان عن سعد بن سعيد عن عمارة بن غزية عن ابن عباس عن أبيه عن النبي صلى الله " أحد جبل يحبنا ونحبه ".
الاعتراض الثاني: أن هذا الحديث قد اختلف في سنده على عمر بن ثابت , فرواه أبو عبد الرحمن المقري عن سعيد عن عبد ربه بن سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب موقوفا ذكره النسائي. وأخرجه أيضا من حديث عثمان بن عمرو بن ساج عن عمر بن ثابت عن محمد ابن المنكدر عن أبي أيوب , وهذا يدل على أن طريق سعد بن سعيد غير متصلة , حيث لم يذكر محمد بن المنكدر بين عمر بن ثابت وأبي أيوب , وقد رواه إسماعيل بن عياش عن محمد بن أبي حميد عن محمد بن المنكدر عن أبي أيوب. فدل على أن لرواية محمد بن المنكدر له عن أبي أيوب أصلا. ورواه أبو داود الطيالسي عن ورقاء بن عمر اليشكري عن سعد بن سعيد عن يحيى بن سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب. وهذا الاختلاف يوجب ضعفه.
والجواب: أن هذا لا يسقط الاحتجاج به , أما رواية عبد ربه بن سعيد له موقوفا فإما أن يقال: الرفع زيادة. وإما أن يقال: هو مخالفة وعلى التقديرين: فالترجيح حاصل بالكثرة والحفظ فإن صفوان بن سليم ويحيى بن سعيد - وهما إمامان جليلان - وسعد بن سعيد - وهو ثقة محتج به في الصحيح - اتفقوا على رفعه , وهم أكثر وأحفظ على أن المقبري لم يتفق عنه على وقفه. بل قد رواه أحمد بن يوسف السلمي شيخ مسلم , وعقيل بن يحيى جميعا عنه عن شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب مرفوعا وذكره ابن منده , وهو إسناد ` صحيح موافق لرواية الجماعة , ومقو لحديث صفوان بن سليم وسعد بن سعيد.
¥