الأول: أن في إسناد الحديث أحد الرواة الضعفاء وهو سعد بن سعيد، وقد أوهم بكلامه هذا أن الحديث ليس له إسناد إلا من طريق هذا الراوي الضعيف، والواقع أن هذا الراوي قد توبع من جماعة من الرواة كلهم ثقات ممن يحتج بحديثهم _إلا الأخير ففيه ضعف _، فقد تابعه:
_ أخوه يحيى بن سعيد. أخرجه النسائي في الكبرى (2/ 163).
_ وأخوه عبدربه بن سعيد. أخرجه النسائي في الكبرى (2/ 163) _ وروايته موقوفة _.
_ وصفوان بن سليم. أخرجه أبو داود (2،324رقم2433) والنسائي في الكبرى (2/ 163) وابن خزيمة (3/ 297) وغيرهم.
_ وعثمان بن عمرو الخزاعي. أخرجه النسائي في الكبرى (2/ 164).
فهؤلاء أربعة من الرواة كلهم وافقوا سعد بن سعيد على روايته للحديث عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، فكيف يُضعّف الحديث لأجل راو واحد وهو مُتابعٌ كما رأيت.
وقد اعتنى ابن القيم رحمه الله في حاشيته على سنن أبي داود (7/ 61_68) بالكلام على طرق الحديث وبيان متابعاته وشواهده، والجواب عن اعتراضات المخالفين له، وأفرد العلائي الكلام على هذا الحديث بجزء مفرد وهو مطبوع.
فإن قيل: كيف أخرج مسلم إذاً حديث هذا الراوي وهو متكلم فيه؟
فجوابه ما قاله ابن القيم وهو: (أن مسلماً إنما احتج بحديثه لأنه ظهر له أنه لم يخطىء فيه بقرائن ومتابعات، ولشواهد دلته على ذلك، وإن كان قد عرف خطؤه في غيره، فكون الرجل يخطىء في شيء لا يمنع الاحتجاج به فيما ظهر أنه لم يخطىء فيه، وهكذا حكم كثير من الأحاديث التي خرجاها وفي إسنادها من تكلم فيه من جهة حفظه فإنهما لم يخرجاها إلا وقد وجدا لها متابعا).
الحجة الثانية عنده في ضعف الحديث في ذاته: أن مدار الحديث على عمر بن ثابت الأنصاري، ولم يروه عن أبي أيوب غيره، فهو شاذ، فلا يحتج به، كما قال.
والجواب عليه من وجهين:
الأول: هو أن عمر بن ثابت الأنصاري قد وثقه أئمة الحديث، فمثله الأصل قبول تفرده، ولهذا في الصحيحين أحاديث كثيرة قد تفرد بها بعض رواتها، ومن أشهر هذه الأحاديث أول حديث في صحيح البخاري وهو حديث (إنما الأعمال بالنيات)، ولهذا قال ابن القيم: (ليس هذا من الشاذ الذي لا يحتج به، وكثير من أحاديث الصحيحين بهذه المثابة، كحديث الأعمال بالنيات، تفرد علقمة بن وقاص به، وتفرد محمد بن إبراهيم التيمي به عنه، وتفرد يحيى بن سعيد به عن التيمي).
الثاني: أن هذا الحديث لم يتفرد به أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، بل تابعه عليه جمع من الصحابة، منهم:
_ ثوبان. أخرجه أحمد (5/ 280) وابن ماجه (1/ 547) وصححه ابن خزيمة (3/ 298) وابن حبان (8/ 398).
_ وجابر. أخرجه أحمد (3/ 308، 324، 344) والبيهقي (4/ 292) وغيرهم.
_ وهناك غيرهم من الصحابة، ولم أذكرهم اختصاراً.
ولهذا ترجم ابن حبان على ذلك في صحيحه فقال بعد إخراجه حديث عمر بن ثابت: (ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به عمر بن ثابت عن أبي أيوب) وذكر حديث ثوبان).
فبان من خلال مما سبق ثبوت الحديث بلاريب، ولم يتوقف أحد من أئمة الحديث قديماً وحديثاً في تصحيح الحديث، فممن صحح الحديث مسلم والترمذي وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي وآخرون، ومن المتأخرين ابن القيم وابن الملقن وابن حجر وغيرهم كثير، ولا أعلم أحداً سبق الكاتب في تضعيفه للحديث سوى الحافظ ابن دحية _ فيما نقله عنه ابن الملقن في البدر المنير (5/ 752) _، وهذا مما يدلك على تسرعه وتهوره في هذه المسألة، وأرجو أن تكون له هذا السرعة في رجوعه للحق.
وأما علة الحديث الثانية عنده فهي: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم -كما نقله ابن القيم (814/ 2431) -قد نهى عن الصوم بعد انتصاف شعبان حماية لرمضان أن يُخلط به صوم غيره. فكيف بما يضاف إليه بعده .. ؟!!)
والجواب هو: أن الذي نهى عن الصوم بعد انتصاف شعبان، هو الذي شرع لنا الصوم بعد رمضان، فلا تعارض الأحاديث ببعضها، بل المريد للحق يتطلب الجمع بينها، وقد أجاب عن هذه المسألة ابن قدامة رحمه الله في المغني (4/ 439) فقال: (ولا يجري هذا مجرى التقديم لرمضان، لأن يوم الفطر فاصل).
¥